من يريد تصفية سامي الجميل؟

باسكال بطرس

الأربعاء 2017/10/11

في ظلّ الظروف المصيريّة التي يمرّ بها لبنان مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، تشهد العلاقات بين مختلف الأحزاب المسيحية حركة مدّ وجزر متقطّعة، ليخيّم عليها في الآونة الماضية تّوتر غير مسبوق نتيجة تفاقم السّجالات والاتّهامات المتبادَلة، وذلك وسط مساعٍ تُبذل لتبريد الأجواء والتغلّب على المحاولات القائمة لتوسيع الشرخ في ما بينها.

وفي وقتٍ كان التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية ينويان المشاركة في الاستحقاق النيابي بلوائح مشتركة في أكثر من منطقة، بهدف السيطرة على مجمل الدوائر الانتخابية المسيحيّة، رأى رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل في ذلك محاولة من قبل الحزبَين لعزله تمهيداً لتصفيته سياسيّاً.

من هذا المنطلق، يصر الجميّل على التمسّك بخيار المعارضة القصوى والتقارب مع مجموعات من المجتمع المدني وحزب الوطنيين الأحرار وبعض الشخصيّات المتضرّرة من الحكم، من أجل تأليف تحالفٍ قويّ بوجه الثنائيّة المسيحيّة وكلّ المنظومة التقليدية الحاكمة في لبنان.

غير أنّ تزامن زيارة رئيسي الكتائب والقوات إلى الرياض رفع أخيراً منسوب التفاؤل باحتمال طي صفحة الماضي وارساء علاقة جديدة، وصولاً إلى تفاهم انتخابي بين معراب وبكفيا، علماً أنّ العلاقة بين القوات والتيار تراجعت ولم تعد في أحسن أحوالها. لكن، سرعان ما بدأ بريق الأمل هذا يتلاشى وينطفئ، من جرّاء الهجوم الحادّ وغير المتوقّع الذي شنّه رئيس الكتائب خلال مقابلة إعلامية، على حزب القوات، متّهماً إياه بـ"تقديم المصلحة الشخصيّة وتقاسم الحصص على المبادئ والموقف السياسي". ما دفع القواتيين إلى الرّدّ بحزم على هذه الاتّهامات، وانعكس سلباً على الوساطات التي كانت تسعى إلى تقريب وجهات النظر بين الطرفين، تمهيداً لمرحلة الانتخابات النيابية المقبلة.

وتعتبر مصادر كتائبية، في حديث إلى "المدن"، أنّ "العلاقات السّياسيّة تُحدَّد استناداً إلى توافق القناعات أو اختلافها. واليوم الكتائب هي رأس الحربة في المعارضة ضد الحكومة التي يشارك فيها التيار والقوات والمردة". وتشير إلى أن "دور المعارضة يقتصر على الاضاءة على انجازات الحكومة وأخطائها، وهو ما نفعله اليوم، خصوصاً في ما يتعلق بالملفات التي تدل على تنازلٍ عن السيادة، وتلك التي لها علاقة بسلاح حزب الله وغيرها، فضلاً عن صفقات الفساد التي لا تنتهي، بدءاً من ملف البواخر وصولاً إلى الضرائب، إلخ. فالتوتر الحاصل بيننا وبين هذه الأحزاب يعود إلى كونها جزء من السلطة، فيما الكتائب جزء من المعارضة في مواجهة السّلطة".

وترى المصادر أنّ "القوّات قرّرت الانفصال عنّا عندما ارتأت السير بالعماد ميشال عون رئيساً، ولسنا نحن من انفصل عنها. فلا يجوز أن تكون الحياة السياسية مبنيّة على علاقات شخصيّة، إنّما على الموقف السّياسي. فهما لم يتفقا على شيء إلا على تقاسم الحصص وعندما اختلفت المصالح افترقا".

وإذ تنتقد تمسّك القوات بالحكومة رغم معارضتها الملفات المرتبطة بالفساد، تؤكد المصادر أنّه "رغم نقاط الالتقاء الكثيرة ومنها ضرورة الدفاع عن سيادة لبنان وإبعاده عن الحضن الإيراني، فإن القوات لا تستطيع، في وضعها الحالي، أن تكون حليفنا في الاستحقاق الانتخابي المنتظر"، مشددةً على أن "ذلك لا يعني انقطاع التواصل أو القطيعة معها".

وتؤكد مصادر الكتائب أن "لا تواصل مع التيار الذي يغطّي سلاح حزب الله. فنحن نختلف معه في كل شيء تقريباً. والأمر سيّان بالنسبة إلى العلاقة مع تيار المردة، التي تشهد تباعداً واختلافاً ملحوظاً في السياسة، رغم المودة الشخصية والاحترام المتبادل". وتشير المصادر إلى تقارب مستجدّ مع الحزب الشيوعي المعارض لكلّ ممارسات الفساد في السّلطة، والكتائب تحاول التواصل أكثر فأكثر مع كلّ هؤلاء، و"هو مسار بدأ ونتمنى أن يتطور وصولاً إلى تحالف انتخابي متين".

في المقابل، ترد أوساط القوات بالقول إنّ "تصنيف من هو داخل الحكومة وخارجها لا يجوز أن يصدره طرف شارك تقريباً في كل الحكومات المتعاقبة منذ العام 2005 إلى اليوم، مع الاشارة إلى أن ما حال دون مشاركة الجميل في الحكومة الحالية هو عدم إعطائه حقيبة الصناعة. بالتالي، المعارضة التي يتكلم عنها ليست مبدئية".

وتنفي أوساط القوات ما يلمح إليه الجميل بأن ما جمع القوات والتيار يرتكز على مجموعة مصالح، معتبرة أنه "بعيد كل البعد من القوات وطريقة عملها". وتذكر أن "القوات رفضت المشاركة في الحكومات المتعاقبة في زمن الوصاية السورية رغم كل العروض التي قُدّمت لها، وآثرت الحلّ والاضطهاد والاعتقال والاغتيالات في كثير من الأحيان على مسايرة عهد الوصاية. بالتالي، فإن آخر من يمكن اتهامه بالعمل على تحقيق المصالح السياسية الضيقة هو القوات، بينما يصر الجميل على تكذيب كل الوقائع لغاية في نفس يعقوب".

إلا أن الأوساط تعود لتؤكد حرص القوات على أفضل العلاقات مع الكتائب، وكرّرت أسفها لأن مواقف الجميّل لن تتغيّر، مع العلم أنها ما زالت تأمل مواصلة المساعي من أجل منع تجدّد أي اشتباك إعلامي بسبب حرصها على العلاقة بين حزبين يتقاسمان الشهادة والتطلّعات المستقبلية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024