باسيل متسلطاً: غيبوبة معارضيه وموت 17 تشرين

منير الربيع

الأحد 2020/04/05

منذ مدة طويلة تحول سمير جعجع إلى ممارسة السياسة في معناها الأكاديمي. وهذا ينسحب على مؤسسته الحزبية المتراصة. فالسياسة تغيب بجوهرها عن حضور القوات اللبنانية وممارستها في هذه الفترة.

وباستثناء تغريدة بين يوم وآخر يشير فيها رئيسها إلى الثلاثي غير المرح (التيار العوني، حزب الله، تيار المردة أو سليمان فرنجية)، يستمر جعجع في الركون إلى سياسة "رد الفعل" التي لطالما نجح التيار العوني - الباسيلي في استدراجه إليها.

سياسة رد الفعل
تفرض أزمة كورونا نفسها على القوات اللبنانية، كما على غيرها من القوى الحزبية والمدنية والسياسية. لكنها تتحول إلى مبرر لما يشبه الكسل لدى القوات. الكسل أو التكاسل عن مقاربة الملفات السياسية. وهذا ينطبق أيضاً على وليد جنبلاط، باستثناء بعض مواقفه.

وسط استغراق القوات بسياسة ردّ الفعل، وبعض المواقف الاعتراضية التي يتخذها سليمان فرنجية ورد فعله على استثنائه من التعيينات، تخلو الساحة المسيحية لجبران باسيل وتياره العوني. ففرنجية يقصر اهتمامه بزغرتا وجوارها القريب، وبالتعيينات. وفيما تنشغل القوات في العمل على مواجهة وباء كورونا، وبتوزيع المساعدات الصحية والغذائية، يتابع باسيل ملفات متعددة، مالية، اقتصادية، سياسية، نفطية، و"كورونية" أيضاً.

باسيل المقايض
لاقى باسيل حسن نصر الله في موضوع الهجوم على المصارف والتضييق عليها. قدّم طرحاً حول عودة المغتربين، إلى جانب طروحات مالية وسياسية، ونجح في تظهيرها في الشارع المسيحي. وعلى رمزية  موقف فرنجية من التعيينات وتعطيلها، كي لا يستأثر باسيل بالمواقع المسيحية كلها وينفرد بالساحة المسيحية، حمّل باسيل رئيس تيار المردة مسؤولية التعطيل وعدم العودة إلى المصالحة.

هنا يرتاح باسيل الذي يجيد مناقضة نفسه بنفسه: يشن حملة على المهددين بالإستقالة، فيصيب تيار المستقبل وفرنجية، ويحمِّل مسؤولية تعطيل التعيينات إلى الذين يريدون الحفاظ على مكاسب وتدخل السفارات.

لم يجد باسيل من يواجهه ويردّ عليه بسؤال بسيط، حول "التدخل المحمود والوطني والأخلاقي" لسفارات معروفة عملت على إطلاق سراح عامر الفاخوري، وتقديم أبرز الأمثلة على إهانة الدولة اللبنانية مقابل استثناءات من العقوبات.

غياب المستقبل
لم يتوجه أحد إلى باسيل لتذكيره باتفاق تبادل المصالح وتقاسمها مع تيار المستقبل أيام الغرام والوئام، واختزال كل ما في الدولة بينهما على حساب الآخرين. هو أنهى تلك الحقبة وطواها، وسط غياب تام لمواجهته مواجهة سياسية فعلية في الشارع المسيحي، في غير الموقع والمناسبة اللذين يريد، وتفضيله افتعال المشاكل مع الآخرين. وكلما ردّ عليه خصومه أكسبوه وخدموه. وغياب تيار المستقبل أو الساحة السنية عن مواجهة باسيل ووضع النقاط على الحروف، يصل إلى حدود الكوما أو الموت السريري.

حزب الله وفتوش
ما ينجح به جمهور باسيل أغلب الأحيان، هو بث شائعات تتعلق بصحة سمير جعجع. فيسارع الرجل إلى عقد المؤتمرات لنفيها. وهذا أبرز الدلائل على حال ردّ الفعل التي يشتهيها باسيل، فيما يلتهي جعجع عن ملفات كثيرة، يبرع باسيل في توظيفها واستثمارها، ليس في التعيينات فقط، بل في سد بسري وانتزاع صلاحيات واسعة لوزير الطاقة في هذا الملف. وهناك أيضاً الإصرار على الاحتفاظ بالصلاحيات المطلقة في ملف الكهرباء، وصولاً إلى تثبيت نهج متكامل الخطوات مع حزب الله، سواء في ما يتعلق بالمصارف، وتطويق رياض سلامة لتطويعه، وعدم نسيان الحرص على "حقوق" نقولا فتوش، في عز هذه الأزمة المالية، والبحث عن تسوية مالية معه بعدما حُكم له بمبلغ 250 مليون دولار، تخطت الـ 500 بسبب الفوائد. وهذا كله لحسابات سياسية طبعاً. وللأمانة بدأت المفاوضات مع فتوش حول إنجاز تسوية مالية معه، أيام حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. وهي التي جاءت بفتوش إلى "14 آذار". لكن التسوية فشلت حينها، وتجد اليوم من يعمل في سبيل حلّها.

اختراق الثورة
النشوة التي عاشها بعض الأفرقاء بفعل ثورة 17 تشرين بوصفها "أحرقت" مراكب باسيل، ضاعت بسبب عدم قدرة خصومه على بلورة خطاب سياسي متكامل يستثمر بنتائجها. استمر أولئك الخصوم على انشغالاتهم بالحسابات التي يريدها باسيل، فيما يعزف هو على  العصب المسيحي. لم يتمكنوا من بلورة خطّ سياسي مضاد، وتبددت أمامهم ملامح تلك الثورة وما أرسته مسيحياً: بروز شارع مسيحي واسع مناهض للتيار العوني - الباسيلي. وها هو باسيل يعود من بوابة أخرى، مخترقاً ساحات ومجموعات هذه الثورة، بينما الآخرون فرغت أيديهم مما ظنّوا أنهم امتلكوه. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024