قصة التآمر على زياد عيتاني

منير الربيع

السبت 2018/03/03

في الأسبوع المقبل، يُتوقّع أن يصبح زياد عيتاني حرّاً. أيام قليلة ويستعيد إبن بيروت حياته التي خرجت عن طبيعتها، في ظل حسابات شخصية وسياسية. منذ أشهر أوقف ابن طريق الجديدة بتهمة التعامل مع العدو الإسرائيلي. اتُهم وصدر الحكم قبل التحقيق وإحالته على القضاء. منع القضاء من قول كلمته في حينها، فأطلقت الأجهزة الأمنية أحكامها المبرمة التي أسندت إلى تسريبات صحافية، قبل إحالة ملف عيتاني إلى السلطة الثالثة. كأن المطلوب كان محاكمة عيتاني قبل السماح بالتفكير أو النقد.

اختصر عيتاني دور الضحية على مذبح المناورات السياسية وتصفية الحسابات الشخصية، فاستعجل التسريب في ملفه لإسقاط حكم بحقه، يحرم عارفيه الإنتقاد وتصويب الرأي. كانت الخطوة أبرز تجليات ممارسة العهد الجديد لقوته وسطوته. الرسالة واضحة، ممنوع نكران التهم، وعلى المتهمين قبول ما يُسند إليهم حتى ولو كان زوراً. كان الهدف أبعد من عيتاني، وأكثر شمولاً. ثمة من أراد تأديب المجتمع بعيتاني. لم تقتصر المشكلة على الاتهام بالعمالة، بل طاولت منع أي شخص من تقديم فكرة، أو طرح يخالف ما هو سائد. ولاستكمال اللعبة الامنية، سوّقت بحق عيتاني تهم تتعلق بالتحضير لمحاولات اغتيال، أعيت حماقتها من سعى لمداواتها.

ما خلصت إليه التحقيقات، التي ستُعيد جزءاً من الاعتبار لعيتاني، تفيد بأنه كان ضحية مجتمع قاسٍ ومستقيل. مجتمع لم يتقن سوى التلقّي، وتسويقه، مقابل نكران أي حسّ نقدي أو اعتراضي. منذ اللحظة الأولى، كان ملف عيتاني يحوي في طياته جملة أخطاء قاتلة، ولو طاولت مجتمعاً صحيّاً، لأصابته بمقتل.

في تفاصيل الملف، أخطأت الرائد سوزان الحاج حبيش التقدير، والتبست عليها هوية عيتاني، الذي وثّق إعادة تغريدها لموقف المخرج شربل خليل المنتقص من كرامة المرأة السعودية، فاستبدلت زياد الفنان بزياد الصحافي المقرب من اللواء أشرف ريفي، الذي يحمل الاسم نفسه، وأرادت الانتقام.

أرادت الحاج حبيش الانتقام من عيتاني، على ما تعتبره السبب في نقلها من وظيفتها، كانت تهدف إلى الانتقام من الصحافي زياد عيتاني، لكنها أخطأت الهدف وأصابت عيتاني الممثل. تقول المعلومات إن الحاج حبيش كانت تعد نفسها بموقع أرفع في جهاز أمن الدولة. وبناء على مساعيها، وجدت طريقها إلى تحقيق الإنجاز لهذا الجهاز، على طريق الوصول إلى الموقع المرتجى.

كل الاعترافات التي نسبت إلى عيتاني، الممثل، كانت عبارة عن أقوال انتزعت تحت التعذيب. ملفه كان جاهزاً، والفبركة سبّاقة. اختارت الضابط الانتقام وفق طريقة هوليودية. وظفت أناساً لاختراق حساباته على وسائل التواصل، وفبركت اتصالات بينه وبين من قيل إنهم عملاء جنّدوه لتنفيذ عمليات وتعميم التطبيع في المجتمع اللبناني. استبق جهاز أمن الدولة عمل القضاء، أبرم حكمه بحق عيتاني، الذي غير إفادته لدى التحقيق معه بعيداً عن السياط. تدخّل كثيرون في قضيته، ما دفع رئيس الحكومة سعد الحريري إلى التدخل ونقل الملف إلى شعبة المعلومات، التي توسعت في التحقيق. وفي التدقيق بملفات عيتاني وبيانات اتصالاته، تبيّن أنه لم يجر أي اتصال بأي جهة خارجية، ولا وجود للضابط في الموساد الإسرائيلي كوليت فيانفي، ولا وجود لأي حديث عن عملية اغتيال. ما اكشتفته شعبة المعلومات أن حسابات عيتاني تعرّضت للخرق عبر "هاكر" فبرك كل هذه الادعاءات. وموظف الهاكر كان الرائد الحاج حبيش، التي استُدعيت للتحقيق الذي يستمر بالتوسع لاكتشاف كامل الضالعين في محاولة القضاء على حياة فنان شق طريقه حديثاً وتدمير مستقبله ومستقبل عائلته. فيما المعلومات تشير إلى أن هناك مساع أمنية أخرى، للايقاع بآخرين، ولا يزال التحقيق مستمراً لكشف مزيد من المتورطين.

اعتذر أركان الدولة على ما لحق بعيتاني. لكن السؤال الأبرز يبقى، هل يكفي الاعتذار لردّ الاعتبار؟ وهل يمكن عبره انتشال لبنان من لعبة الانتقام الأمنية، ويبعد شبح توظيف الأجهزة لحسابات المتمركزين في مواقعها؟ هل يمكن للنظام القضائي في لبنان استعادة قيمته بعد التهميش الذي لحقه عمداً من أجهزة أرادت التهام أدوار السلطات الأخرى؟ لم تكشف قضية عيتاني تعاطي الأجهزة الأمنية بإنزال الأحكام العرفية في هذه القضية فحسب. تفتح الفضيحة الباب أمام كثير من القضايا الأخرى، تبدأ بـ"الإرهاب" ولا تنتهي بتشويه السمعات. لم يكن زياد عيتاني وحيداً داخل زنزانته. مجتمع بأسره أصبح أسير تلك الزنزانة، بمختلف فروعها، الأمنية والصحافية. لم تبدأ المشكلة بعيتاني ولن تنتهي به، ولن يقتصر الذنب على الحاج. الفبركة ليست سوى استثمار بمن يجد نفسه حظي بسلطة استثنائية لمحاسبة الناس، دون خضوعه لأدنى شروط المحاسبة. والأخطر أن ما يفضحه عيتاني ببراءته، يبدد الثقة ببعض الأجهزة، وكيفية استخدامها صلاحيتها أو سلطاتها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024