عون يردّ على إسرائيل.. ومفاوضات الترسيم باب لتقويض لبنان

منير الربيع

الجمعة 2020/11/20

في ظل انسداد الأفق الحكومي، وسيطرة الجمود على الملف السياسي محلياً، برز اهتمام دولي، أميركي تحديداً، في ملف ترسيم الحدود. يراد لهذا الملف أن يكون العنوان الأساسي الذي ينطلق منه أي تطور على الساحة اللبنانية.
وفق ما تشير مصادر متابعة، فعلى هامش اللقاءات التي عقدها وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو في فرنسا، أبلغ مساعده لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شينكر، المسؤولين الفرنسيين، بأن واشنطن تبدي أقصى اهتمامها في عملية ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل. وأن هذا الملف يمثل الأولوية بالنسبة إلى واشنطن ومنه ستتفرع أولويات متعددة.

كوبيتش والسفير الإيراني 
على الساحة اللبنانية، كان ممثل الأمين العام للأمم المتحدة يان كوبيتش يجول على مختلف المسؤولين. من بين لقاءاته، تشير مصادر متابعة لـ"المدن"، أنه التقى السفير الإيراني في بيروت، محمد جلال فيروزينا. هدف اللقاء كان لتأكيد الحرص على استقرار لبنان وعدم جعله بيئة متوترة أو ساحة انطلاق لأي توتير خارجي. وهو ما أيده السفير الإيراني. أما لدى التداول في ملف ترسيم الحدود، فأعلن سفير طهران اهتمام بلاده بهذا الملف أيضاً. ما يشكل ذلك تقاطعاً مع الولايات المتحدة الأميركية.

في الأساس كانت القراءة اللبنانية والخارجية لفتح الطريق أمام إعلان اتفاق الإطار وعقد جلسات التفاوض، بوصفه نتيجة تقاطع إيراني أميركي معين. قد لا يؤدي التقاطع إلى الوصول لاتفاق معين. ولكن واشنطن تولي اهتماماً استثنائياً بهذا الملف. وطهران تريد البحث عن سبل لتخفيف الضغط على حلفائها أولاً، وفتح الباب أمام عقد مفاوضات قبل الانتخابات الأميركية. فبحال عاد ترامب تكون المفاوضات قد انطلقت، ويتم البناء عليها. وبحال جاء جو بايدن، فإن مسار المفاوضات التي انطلقت يفترض أن يستمرّ. ليس بالضرورة أن يكون التقاطع الإيراني الأميركي أمراً جدياً في مرحلة التصعيد هذه. لكنه باب متروك قابل لأن يفتح عندما تقتضي حاجة الطرفين، أو عندما يرتئي أحدهما تقديم تنازل للآخر. وبمجرد تقديم هذا التنازل يفترض بهذا الملف أن يسلك طريقه نحو الاتفاق والحلّ.

الرد على الوزير الإسرائيلي
لن تتخلى الولايات المتحدة الأميركية -وإسرائيل من خلفها ومن أمامها- عن الضغوط، في سبيل إنجاز عملية الترسيم. وفي إطار الضغوط الممارسة، جاء تصريح وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس الذي أكد أن "لبنان غيّر موقفه بشأن حدوده البحرية مع إسرائيل سبع مرات". وأعرب شتاينتس في وقت سابق عن عدم تفاؤله بالمفاوضات الجارية على صعيد ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، بوساطة أممية، لأنّ لبنان يأتي بمطالب قاسية. وأكد شتاينتس: "لستُ متفائلاً في ما يخصّ محادثات ترسيم الحدود مع لبنان، فقد اتفقنا وقررنا أن نتحادث وأن نجد حلاً لهذا النزاع. ولكن إذا جاء اللبنانيون بطلبات قاسية كالتي رأيناها قبل 10 سنوات فلن نحلّ النزاع".

سريعاً جاء الرد من مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، على المزاعم التي أطلقها وزير الطاقة الإسرائيلية يوفان شتاينتس عن أن لبنان "بدل مواقفه في موضوع الحدود البحرية الجنوبية سبع مرات".
وأكد مكتب الإعلام أن كلام الوزير الإسرائيلي "لا أساس له من الصحة، لأن موقف لبنان ثابت في ما خص المفاوضات غير المباشرة في موضوع الترسيم البحري، وفقاً للتوجيهات التي أعطاها رئيس الجمهورية، ميشال عون، إلى الوفد اللبناني المفاوض، لا سيما لجهة ممارسة لبنان حقه السيادي".

إيقاع بارد أم حار؟
هذا الموقف الإسرائيلي من شأنه أن يشكل عامل ضغط على لبنان أمام الأميركيين والمجتمع الدولي. ما يعني ممارسة المزيد من الضغوط لأجل دفعه إلى التنازل عن الخرائط الجديدة التي تقدّم بها. ويأتي موقف الوزير الإسرائيلي بعد يوم واحد من موقف أطلقه رئيس الجمهورية ميشال عون، أعلن فيه أن الحدود البحرية التي يجب أن ينطلق التفاوض بهدف ترسيمها، تبدأ من نقطة b1 في رأس الناقورة، أي الخط الموازي نفسه للحدود البرية، الأمر الذي ترفضه إسرائيل. وبحال استمر الخلاف، سيكون هناك الكثير من الأجواء الإعلامية والسياسية التي تشير إلى أن المفاوضات مهددة بالإنفراط.

أمام عملية ترسيم الحدود إحتمالان، إما أن تجري على البارد أو على الحامي. على البارد، أي بحصول تفاهم مع حزب الله. أما على الحامي، أي بعد تصعيد عسكري أو "معركة" ما، فإن المعركة ستنتهي أيضاً باتفاق لوقف النار وبعده اتفاق الترسيم. ما يعني إعتراف متجدد بالحزب، حتى وإن تم إضعافه. لكنه سيبقى الأقوى بين كل الضعفاء في لبنان. 

المحصلة الجوهرية هي أن دور لبنان قد انتهى، بفعل انهيار كل طبيعة النظام وتركيبته الاقتصادية والمالية. وحزب الله لم يكن يريد في الأساس هذا النموذج اللبناني، أو بالعودة إلى المفاضلة ما بين هون كونغ وهانوي. وهذا أيضاً سيكون من مندرجات أي اتفاق سيحصل، وسيحقق بموجبه حزب الله مكاسب سياسية، سواء جغرافياً أو سياسياً أو دستورياً.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024