جمهورية حسن نصرالله

يوسف بزي

الإثنين 2020/12/28

نحو أربع ساعات قضاها زعيم حزب الله محتلاً شاشة ليل الأحد، مهيمناً على أنظار اللبنانيين والكثير من "الجماهير" العربية. وهو يستطيع بجدارة أن يقضي ساعات وساعات متحدثاً من دون أن ينفد ما في جعبته من كلام ثقيل الوقع.

تلك الساعات المليئة بالحروب السرية والعلنية والخطط والمؤامرات والمواجهات ومشاريع الاغتيالات والصواريخ.. ورواياته بصحبة قاسم سليماني فيما يجب فعله ما بين غزة والضاحية ودمشق وبغداد واليمن، وفي قرار سحق الشعب السوري وثورته حتى قبل أن تندلع تلك الثورة (اتخذ القرار لحظة سقوط مبارك، حسبما باح حسن نصرالله)، ونظرته إلى "الربيع العربي" كمؤامرة كونية لا محل فيها لرغبات الشعوب التي تبدو هكذا غبية منساقة لخطة امبريالية صهيونية لا تعرف مصلحتها قدر معرفة الحرس الثوري بتلك المصلحة، وسرده للانتصارات التي لا يدركها إلا أنصاره وأتباعه، والرعب الذي يبثه في صدور الجنود الإسرائيليين، ويبقيهم هكذا "على إجر ونص"، واستنتاجه المذهل أن موجة التطبيع مع إسرائيل تقرّب موعد النصر الكبير، وحديثه عن فلسطين بنسخة إيرانية خاصة، لا صلة للفلسطينيين بها ولا العرب..

كل ذلك ليس جديداً ولا مفاجئاً. لكن، ما ننتبه إليه حقاً في هذه "السهرة" القاتمة والمخيفة بوقائعها الدموية، والمحفزة على تخيلات "قيامية" وسوداوية لمقبل أيام هذا المشرق المريع، هو تلك الغربة الفظيعة بين جموع اللبنانيين ونصرالله. غربة إلى حد القطيعة بين ما يطلبه ويحتاجه اللبنانيون ويطمحون إليه من جهة، وما يريده ويعمل عليه حزب الله وزعيمه.

قبل أشهر، "تورط" نصرالله في الهموم اللبنانية: تشكيل الحكومة، الفساد، التوجه شرقاً، الأزمة المالية، زراعة الشرفات والحدائق المنزلية، والنفط مقابل البطاطا، وحتى إجراءات مكافحة كورونا.. وحينها بدا نصرالله هو الغريب حقاً والعاجز والضعيف إلى حد الفشل في هكذا عالم لا يدركه ولا يفقه أسراره، وأظهر بساطة غير ملائمة لصورته في علم تصريف الدولار وتدبير الخبز وما شاكل.

وعلى هذا النحو، ربما استدرك نصرالله أن هذا ليس ميدانه، لا في كيفية صون الدولة ولا في ترتيب اقتصاد سليم، ولا تدبير معيشة الناس. ولا دخل له في السلم الاجتماعي، ولا في هموم الزراعة والصناعة والاستيراد والتصدير وخزينة الدولة ومواردها، ورواتب الموظفين واستقرار العملة، والنظام المصرفي، ولا تأمين الكهرباء والمياه النظيفة وصيانة الطرق والبنية التحتية ولا في التعليم، ولا في مستقبل مئات الألوف من الشباب والأسر التي تسعى كسائر الخلق في هذا الكوكب نحو حياة مطمئنة وهانئة وموفورة الكرامة والعدل. هو وحسب مهموم ومحترف وبارع ومؤمن فقط في الاستمرار بالحرب، التي يمكن تخمينها أنها أبدية.. إلى حين قيام الساعة، على أقل تقدير.

ولذا، كانت أربع ساعات لا محل فيها لنا ولبلدنا وجمهوريتنا ودستورنا وتاريخنا وذاكرتنا وثقافتنا وسياستنا وطموحاتنا.. أربع ساعات من مسلسل "مواجهات" في عالم غرائبي، أقل ما يقال فيه أنه جهنمي وغير قابل للعيش. عالم لا محل فيه لكل ما يرغب به عموم الناس، هنا في لبنان، حيث يتمتع نصرالله بقرار مصيره.

لقد بدد أوهامنا الصغيرة، وجعلنا أكثر انتباهاً أين نحن وإلى أين ذاهبون. وكان واضحاً أكثر من أي يوم مضى أن "الجمهورية اللبنانية" ماتت. نحن وحسب رعايا جمهورية جديدة، "خزاناً" بشرياً للقتال ومستودعاً كبيراً للسلاح، ومئات الألوف من المهاجرين واللاجئين والهاربين الهائمين على وجوههم في أصقاع الأرض.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024