الحريري في بيته.. القليل من الحقيقة والكثير من الشكوى

منير الربيع

السبت 2020/02/15

في الوقت الذي كان الرئيس سعد الحريري يلقي خطابه في "بيت الوسط"، معلناً أن رأس الحريرية مستهدف. ويتحدث عن اهتمامه ببيته الداخلي وأوضاعه. كان يُراد له أن يُضرب من قلب بيئته، وفق توصيف المستقبليين، بواسطة المشهد الذي أُريد تظهيره بالقرب من ضريح الرئيس رفيق الحريري. وكأن المعركة تدور داخل الطائفة الواحدة والبيت سياسي واحد. كان هناك من أراد صنع صورة يضع فيها جمهور رفيق الحريري في مواجهة مع سعد الحريري (وجمهوره).

وليس بعيداً من المناسبة، كان وزير الخارجية الأميركي يتحدث عن ضرورة تسليم و"محاكمة القتلة المنتمين إلى حزب الله". تحت هذه الأضلع الثلاث، يمكن رسم السقف السياسي الذي رفعه رئيس تيار المستقبل، الذي لم يعده إلى مرحلة 14 آذار، ولا إلى تأسيس جبهة معارضة وطنية واسعة، إنما أبقاه في حدوده السنّية أو فضاء الحريرية، متحدثاً عن أن السنّة معه سيكونون بخير. وعليه، استمر الخلاف مع "القوات اللبنانية"، التي لم تتمثل بشخص رئيسها سمير جعجع للمرة الأولى. واكتفى الحريري بتوجيه تحية التأكيد على استمرار التحالف مع وليد جنبلاط، من دون ذكر "القوات".

تحييد عون وحزب الله
يخوض الحريري الآن معركة مع بعض من بيئته ومع بعض السياسيين الذين كانوا محسوبين عليه، وقد وصفهم بالإنتهازيين والوصوليين. والمعركة الثانية هي مع التيار الوطني الحرّ، بشخص جبران باسيل، مع محاولته المستمرة في تحييد رئيس الجمهورية ميشال عون. وهو أيضاً تعمّد تحييد حزب الله عن هجومه بشكل مباشر، بما لا ينسجم لا مع طروحات الأميركيين وموقف مايك بومبيو، ولا مع المطالب الأميركية السعودية المعروفة، والمطلوبة من الحريري، أي الدخول في مواجهة سياسية مع الحزب. حاول الرجل، كلامياً، أن يسلك هذا النهج من دون فتح معركة مع الحزب، لكنه أراد العودة إلى الأميركيين والسعوديين. قال: "هل نستطيع أن نعرف كيف نقيم سياحة بلا العرب والمواطن الخليجي؟ هل نستطيع أن نفهم كيف نفتح أسواقاً للإنتاج اللبناني من دون الأسواق العربية والخليجية خصوصاً؟ هل يمكن لأحد أن يخبرنا كيف سنحمي مصالح ربع الشعب اللبناني، الذي يستفيد من فرص عمل اللبنانيين بالخليج، في وقت هناك من يفتح على حسابه مشاكل يومية مع هذه الدول؟ أموال إيران الكاش تحل أزمة حزب.. لكنها لا تحل أزمة بلد. الدولة لم يعد ممكناً أن تسير بالمفرّق من دون سياسات واضحة، ومن دون مصالحات جدية مع الشعب اللبناني ومع الدول العربية ومع الدول الصديقة والمؤسسات الدولية".

باسيل.. المعاناة 
قبل موقفه بساعات، كان جبران باسيل يلتقي مع السفيرة الأميركية في محاولة منه لتحسين علاقاته مع واشنطن، وإبداء الاستعداد لمساعدتها على ما تريد تحقيقه في لبنان على طريقته. أكثر ما يفيد باسيل هي الهجمات التي يتعرض لها من خصومه، فتسهم بتكبيره، وزيادة قدرته وتأثيره، لأنهم يستسهلون الهجوم عليه ويستجيبون لاستفزازيته، بدلاً من الذهاب بالمواجهة المباشرة مع رعاته.

هاجم الحريري باسيل، وحمّله مسؤولية التعطيل والانهيار. كردّ طبيعي على تحميل العونيين مسؤولية انهيار الحريرية السياسية. لكن الرجلين لا يحق لهما كيل الاتهامات لبعضهما البعض. هما الوجهان لتسوية واحدة، لم "يبقّ" الحريري البحصة كاملة. اكتفى بالعموميات. وكذلك فعل باسيل بالرد عليه، وربما كان موقف باسيل أكثر وضوحاً حول العودة التي ستجمعهما مستقبلاً، تحت بدعة "التفاهم الوطني".

كمن ينتفض على واقعه. أطلّ سعد الحريري على جمهوره المحتشد في بيت الوسط. حاكى وجدانهم، وما كان يقوله معارضو التسوية منذ اليوم الأول. وصف باسيل برئيس الظل، وكشف عن معاناته معه، بتوصيفه أنه كان مضطراً للتعامل مع رئيسين، رئيس الجمهورية ورئيس الظل، الذي ضرب العهد وعطله، و"مبروك عليه ما جنى وما فعل"، مفضلاً مرحلياً الانكباب على شؤون تياره الداخلية وإعادة هيكليته والتحضير لانتخاب قيادة جديدة.

النقطة الأساسية التي طرحها سياسياً هي الدعوة إلى انتخابات مبكرة والاستعداد لتقديم اقتراح جديد لقانون الانتخاب. لكنه أشار إلى أن الأزمة في البلد أكبر من كل التفاصيل اليومية. فالدولة لم تعد قادرة على الاستمرار من دون إعادة ترتيب العلاقات مع الدول العربية والمجتمع الدولي.

مفاتيح البيت
ألهب الحريري مشاعر جمهوره، عندما قال إنه سيتحدث عن كل شي. عاد لاستخدام أخلاقيات "الوفاء وقلّة الوفاء" وما شابه، على نحو مماثل للوقفة التي وقفها مناصروه معه بعيد عودته من المملكة العربية السعودية. وكأنه اراد انتقاد منتقديه ووسمهم بقلة الوفاء. قدم باقتضاب مراجعة عن أدائه، متحدثاً عن حقبات الصبر والخسارة والربح والطعن، ولم يترك "الانتهازيين والوصوليين" خارج حساب الانتقاد. سلّم مفاتيح بيت الوسط لأصحاب البيوت في كل المناطق اللبنانية، مؤكداً أن هذا البيت عصي على الإقفال والمسيرة لن تتوقف.

تحدث الحريري عن خطر محدق بالصيغة اللبنانية، والعودة إلى ما قبل العام 1989، واسقاط اتفاق الطائف والقضاء على الحريرية، التي تتعرض لأعنف هجوم منذ التسعينيات إلى اليوم وتحميلها مسؤولية الانهيار الاقتصادي.. وفزاعة مسخرة التوطين، متهماً المروجين لها بفبركة الملفات، وهم الذين افتتحوا مسيرة التعطيل بعد اغتيال رفيق الحريري، من الاعتصام في وسط بيروت، والاغتيالات والحروب وتعطيل عمل مجلس النواب وتأخير تشكيل الحكومة. سبع سنوات عجاف ضاعت بسبب العناد والتذرع بالميثاقية، أدت إلى تدمير لبنان، وتحميل مسؤوليته إلى الحريرية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024