في "التقارب الشديد" بين الجنرالين عون والسيسي

يوسف بزي

السبت 2019/05/04

وقف هناك في قصر بعبدا رئيس الحكومة المصرية، مصطفى مدبولي، ناقلاً تحيات رئيسه "الجنرال" عبد الفتاح السيسي إلى رئيسنا "الجنرال" ميشال عون. والرئيسان، على ما يبدو بوئام وتفاهم على ما يقول مدبولي: "التقارب الشديد في كل الأفكار والآراء والمواقف السياسية بين البلدين".

والحق أن مدبولي لا يبالغ في قوله هذا. فالمتابع للرئيسين في سياستهما وخطبهما، والمنتبه للغتهما، يستشف بسهولة تقاربهما الشديد في اعتناق أفكار تتوجس ريبة من "شوارع" العالم العربي ومشاهدها، وفي تبني آراء تتخوف مما يصيب أنظمة وسلطات تتهاوى أو يتهددها خطر السقوط، وفي اتخاذ مواقف تنحاز إلى ما تنحاز إليه جمهوريات وممالك وإمارات عربية مناهضة لهذه الشوارع ومطالبها.   

فالرئيس عون انتهز فرصة الزيارة ليقول ما يشعره في الحال العربي "الصعب"، حسب قوله، نتيجة الاضطرابات المتنقلة من دولة إلى أخرى، داعياً إلى عمل عربي "سريع" لتفادي المزيد من التدهور. ورأي الرئيس اللبناني هذا لا يبتعد عن رأي الرئيس السيسي وأنداده ونظرائه من رؤساء عرب (وملوك وأمراء) منهم الأبدي ومنهم من يعمل على تأبيد نفسه. ومنهم الوريث ومنهم من سيورّث. كما منهم المستولي انقلاباً أو حتى "المنتخب". فالاضطراب المتنقل والتدهور المتفاقم اللذان يقلقان الرئيس عون، صفتان غائمتان، متواريتان، واسعتا المعنى بلا حد ولا تعيين، ما يريح من عناء تسمية الأشياء والأمور بأسمائها. وهذا من لغة معظم الرؤساء العرب وقادتهم وملوكهم وعسكرهم (ووسائل إعلامهم) في تناولهم لما يحدث منذ العام 2011 من خروج عشرات الملايين من المواطنين العرب تمرداً على حالهم وحال دولهم وطلباً لـ"المستحيل" العربي المسمى حرية وكرامة وعدالة. وما تسليط الحرب عليهم أو فتك بهم أو الانقلاب عليهم أو سوسهم عنوة وقسراً إلى الطاعة وتخييرهم ما بين الموت أو السجن أو المنفى أو الركون إلى الصمت والخضوع مجدداً.. سوى "اضطراب" و"تدهور" هما في اللغة "الرسمية" وفي ضمير مستخدمي الصفتين، يقومان على تأويل واحد: تحميل تلك الشعوب وزر ما حدث ويحدث وسيحدث.

وكان بشار الأسد ورهطه وأتباعه قد اعتمدوا وصف الملحمة السورية المروعة، والمقتلة المرتقية إلى سوية الإبادة والجريمة ضد الإنسانية، أنها "أزمة".

واعتناق الرئيس السيسي كما الرئيس عون لرواية فحواها نزول الاضطراب والتدهور هكذا من غير علّة ولا سبب، ومن دون فاعلين، هي عينها الرواية التي يحبذها أصحابهما من الحكام العرب الباقين أو الساقطين أو الراحلين. وسردية هذه الرواية تقول أن ما سبق كان استقراراً وحالاً طبيعية، وما أتى يتراوح ما بين "المؤامرة الكونية" و"الفتنة" و"الشعب المغرر به".

هكذا، يبدو رؤساؤنا وملوكنا وأمراؤنا وجنرالاتنا، منكبين على حسن سير الحياة وصون الاستقرار وتأمين رفاهيتنا وتدبير مصلحتنا، فيما نحن نفتعل الاضطراب والفوضى والحروب الأهلية وننساق لمؤامرة ما ونخرب مستقبلنا، كشعوب قاصرة لا تعرف صالحها.. وعلى الأغلب، شعوب مشاغبة ميّالة للإرهاب.

ومنذ عودة "الربيع العربي" في موجته الثانية، بالجزائر والسودان، وبعد معاقبة شعوب الموجة الأولى، وبالأخص الشعب السوري، يتزايد قلق رؤسائنا على حالنا "الصعب"، وعملهم على منع "الاضطراب" وسعيهم إلى "العمل السريع لوقف التدهور" - على ما وصف الرئيس عون - وهذا يتبدى في إكثار الجنرالات الرؤساء، كما الجنرال السيسي والجنرال عون. فهذا باب خلاصنا المقترح علينا ودونه الهلاك!

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024