إضراب عام .. كأنه خبر وهمي

وليد حسين

السبت 2019/01/05
من منطقة السوديكو صعوداً باتجاه ساحة ساسين في الأشرفية، نزولاً إلى مستشفى الروم، ثم إلى شارع الحمراء فالمنارة، ثم صعوداً في شارع عبد العزيز، ومروراً بالشوارع التجارية لفردان وكورنيش المزرعة ومنطقة الطريق الجديدة، فالضاحية الجنوبية كلها وصولاً إلى حيّ السلم، ثم طريق المطار وحتى الوسط التجاري، مروراً برأس النبع، ثم إلى مستديرة الدورة، فسن الفيل وفرن الشبّاك، لم نعثر حتى على مؤسسة تجارية واحدة، أو حتى مخزن واحد مقفل. كما لو أنّ الإضراب العام، الذي اعتقد اللبنانيون أنه سيؤدي إلى إقفال البلاد، لم يجد له آذاناً صاغية. 
لكن الحق يقال، في تلك الجولة التي شملت بيروت وضواحيها، تصادفك محلّات تجارية عديدة مقفلة نهائياً وباتت "برسم الإيجار"، كما كُتب على اللافتات الكبيرة على أبوابها. ما يدلّ على أنّ الأزمة الاقتصادية، التي يعاني منها البلد فعلت فعلها، قبل سماع أصحاب تلك المؤسسات بالإضراب.

حركة اعتيادية
حركة السير، بزحمتها الخانقة، وزمامير سياراتها، عاديّة و"طبيعية". المحلّات والمؤسسات والمقاهي فتحت أبوابها لاستقبال الزبائن. والمواطنون يروحون ويجيئون في الطرقات، في حالة تعبّر عن عدم اكتراثهم للإضراب العام، الذي دعا إليه الاتحاد العمالي العام، ومعه جملة نقابات، وبعض الأحزاب، وكثير من هيئات المجتمع المدني. كما لو أنّ التجّار والمواطنين لم يسمعوا حتى بذاك الإضراب، الذي أريد له أن يكون حاشداً. أو كما لو أنّ المواطنين رفضوا إضراباً أراده جزء من قوى السلطة لمواجهة الجزء الآخر منها، للحث على تسريع عملية تشكيل الحكومة.

الدعوة إلى لإضراب
بدأت القصة بظهور مفاجئ لشريط مصوّر في نهاية السنة الفائتة، يدعو إلى الإضراب العام يوم الجمعة في الرابع من كانون الثاني. شريط لا يُظهر الجهة أو الجهات الداعية للإضراب بهدف الضغط لتشكيل الحكومة. تزامنت الدعوة هذه مع دعوات كثيرة من قبل أحزاب وناشطين في المجتمع المدني، للاعتصام والتظاهر في الأسبوعين الأولين من السنة الحالية.
نبحث عن متبنٍّ لذاك الشريط المصوّر، فلا نجد له أباً أو أماً. يوضع الشريط على الصفحة الرسمية لحزب سبعة، بعد أن تمّ تداوله عبر منصّة واتسآب، لكن الحزب ينفي وقوفه خلف إنتاجه، متبنّياً أهدافه، أي تحريك الرأي العام في سبيل الإسراع بتشكيل الحكومة. هذا رغم تشابه تفاصيل ذاك "الفيديو" الداعي للإضراب العام، إلى حدّ التطابق، مع الشرائط الدعائية التي ينتجها الحزب، والشبيهة أيضاً "بإبداعات" الجمعيات المدنية في الترويج لأنشطتها وبرامجها المختلفة.

فتشوا عن "سبعة"
يتلقف الاتحاد العمالي العام الدعوة للإضراب ويسير بها، ليتبيّن لاحقاً، أنّ حزب "سبعة" أنتج الشريط المصوّر، وعرضه على رئيس الاتحاد بشارة الأسمر، وعلى رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير. فالحزب يعمل منذ مدّة على التحرك في الشارع للضغط من أجل تشكيل الحكومة. بالتالي رأى أن الإضراب، الذي يؤدي إلى إقفال البلاد كلها، أنجع من محاولات إقفال المؤسسات العامة عنوةّ، كما حاول مرّات عديدة في نهاية العام المنصرم. وكما أكّد رئيس الحزب جاد داغر لـ"المدن"، وافق الأسمر على الفكرة مباشرة، بينما رفضها شقير منذ البداية، معتبراً أنّ الأسباب التي تحول دون تشكيل الحكومة هي أسباب خارجية، وسيُفهم من الإضراب أنّ معرقلي التشكيل هم القوى السياسية اللبنانية.

تأييد حزبي ورفض شعبي
تتلقف بعض الأحزاب السياسية الدعوة للإضراب، مثل الحزب التقدمي الاشتراكي والكتائب اللبنانية، وتتوالى البيانات المؤيّدة لمختلف النقابات، من الجنوب وصولاً إلى الشمال. حتى رئيس المجلس النيابي أيّد الإضراب، رافضاً التظاهر والنزول إلى الشارع. لكن الجولة الميدانية في العاصمة بيروت وضواحيها، تُظهر بما لا يدع الشكّ، أن الإضراب لم يمرّ حتى مرور الكرام في شوارعها. فلا التجّار اكترثوا للإضراب، لما سيلحقه بهم من خسائر مادية، ولا العمّال تلقّفوا دعوة الإتحاد العمالي للإضراب من أجل تشكيل الحكومة، عوضاً من تسكير البلاد من أجل تحصيل حقوقهم الاقتصادية، كالمطالبة برفع الحدّ الأدنى للأجور، إسوة بموظفي القطاع العام، في ظل تآكل الأجور، جرّاء الأزمة الاقتصادية وتراجع القدرة الشرائية. 

الضاحية تتحدى "أمل"
وإذا كانت المناطق "السنّية"، بدت غير معنيّة بالإضراب، ورفضته الهيئات الاقتصادية، المقرّب رئيسها شقير من الرئيس سعد الحريري، فشوارع المناطق "المسيحية"، بحركة سيرها، ومواطنيها، ومؤسساتها التجارية، كشفت عن عدم اكتراث الناس لإضراب أراده البعض أن يكون بوجه رئيس الجمهورية وتيّاره السياسي، المتهم الأول بعرقلة تشكيل الحكومة. لكن ألاّ تلتزم أي مؤسسة تجارية، أو حتى أي محل تجاري بسيط، في الضاحية الجنوبية، فهذا دليل على أنّ دعوات الإتحاد العمالي العام، لم تلقَ صدىً في الشارع الشيعي. فرغم كون "الإتحاد" خاضع عملياً لحركة أمل، بفعل سيطرتها على المجلس التنفيذي للاتحاد، عبر الاتحادات المنضوية فيه، لم تلتزم الضاحية الجنوبية بالإضراب.

فمن مستديرة شاتيلا نزولاً إلى بئر العبد وحارة حريك، وصولاً إلى موقف حي السلم، ثم صعوداً إلى الكفاءات وأوتوستراد هادي نصرالله، ثم نزولاً إلى طريق المطار، جميع المؤسسات فتحت أبوابها ومخازنها. كما لو أن سكّان الضاحية لم يسمعوا حتى بدعوات الاتحاد للإضراب. أو كما لو أن حزب الله لم يجارِ شريكه الآخر في الثنائية الشيعية، مفضّلاً الحفاظ على "شعرة معاوية" مع التيار الوطني الحرّ، الذي يعتبر أن لعبة الشارع هدفها النيل من العهد.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024