مطار بيروت بعين العاصفة: حملة إسرائيلية لوقف رحلاته الجوية

سامي خليفة

الثلاثاء 2021/01/05

يبدو أن هناك خطراً جدّياً يحدق بمطار بيروت، يوقعه بحصار مهلك، وبعزلة دولية تشلّ الحركة فيه، إذا ما نجحت الجهود الإسرائيلية المتواصلة والتي تستهدف خنق لبنان.

ففي الأيام الأخيرة، وجهت المحامية الإسرائيلية نيتسانا دارشان ــــ لايتنر، مؤسسة منظمة "شورات هدين" الحقوقية، المدعومة من الحكومة الإسرائيلية، رسالة شديدة اللهجة نشرتها صحيفة "إسرائيل هيوم"، تحث فيها شركات التأمين والطيران الدولية لتوقيف خدماتها بشكل فوري في مطار بيروت، بحجة أن  حزب الله يستخدمه لارتكاب "جرائم حرب".

ملاحقة الشركات
تهدف لايتنر ومنظمة "شورات هدين" لإجبار العالم على اتخاذ إجراءات حقيقية ضد حزب الله، وكل ما يخصّ أنشطته في المطار ومحيطه، بما في ذلك مخازن الأسلحة، ومحطات تطوير الصواريخ الدقيقة. وقد وصفت المسار الأخير الذي بدأ ضد المطار بأنه كرة ثلج بدأت تتدحرج من أجل إيقاف الرحلات الجوية إلى بيروت.

وسَبق أن أطلقت المنظمة في شهر تشرين الثاني 2020، مبادرة شارك فيها كبار المحامين الإسرائيليين، الذين بعثوا برسائل تحذير مسبقة، تضمّنت تهديداً بالملاحقة القانونيّة والجنائية، لعدد من المديرين التنفيذيين في شركات التأمين والطيران الدولية من بينها "الخطوط الجويّة الفرنسيّة"، و"أليطاليا"، و"الخطوط الجويّة البريطانيّة"، و"لوفتهانزا". وفي رسالتهم، هدّد القانونيون الإسرائيليون مديري الشركات بأنه إذا لم يوقفوا خدماتهم بشكل فوري في مطار بيروت، فإن ذلك سيقود إلى اتهامهم بمساعدة حزب الله في ارتكاب جرائم حرب.

سيطرة حزب الله
تتطرق تلك الحملة إلى ما وصفته بدور حزب الله التخريبي في لبنان وسيطرته المطلقة على  كل جوانب الحياة من النظام المصرفي إلى المحاكم، وتركه اقتصاد البلاد يتأرجح على حافة الانهيار. تقول لايتنر في رسالتها الجديدة أن مطار رفيق الحريري الدولي، الذي سُمي على اسم رئيس الوزراء اللبناني الذي اغتاله حزب الله، أصبح مركزاً يسيطر عليه الحزب إياه. ففي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كان المطار نقطة انطلاق لبعض أشهر عمليات اختطاف الطائرات والعمليات الإرهابية في العالم. أما في الثمانينيات، فقام عناصر حزب الله بتفجير طائرات على مدرج المطار. وخطفوا طائرات ركاب أميركية وقتلوا الرهائن الذين احتجزوهم.

وحسب وصفها، يقع مطار بيروت في الجزء الجنوبي الغربي من العاصمة اللبنانية على مقربة من العشوائيات ومخيمات اللاجئين التي تعد معقلاً تاريخياً لحزب الله. وهنا، تشير لايتنر بأن الحزب يستخدم المطار كنقطة حدودية خاصة به تحتوي بروتوكولات أمنية لنقل الأشخاص والأسلحة وغيرها من المواد الممنوعة إلى لبنان. وحدث أن أفادت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، في شهر حزيران 2018، أن سيطرة الحزب على مطار بيروت أصبحت قوية لدرجة أن التنظيم ينقل أسلحة ومخدرات، إضافةً إلى مقاتلين موالين لإيران إلى دول أخرى للانخراط في الحروب الأهلية في الشرق الأوسط من دون أي عواقب. وبذلك، يسمح حزب الله للحرس الثوري الإيراني باستخدام المطار كقاعدة لعمليات النظام الإيراني ضد المصالح الغربية.

وتضيف لايتنر أن حزب الله ينظر إلى المطار باعتباره رهاناً آمناً لتخزين أسلحته، معتقداً أن إسرائيل أو أي دولة أخرى ستكون متحفظة في ضرب نقطة الوصول الجوية الوحيدة للدولة اللبنانية. لكن وفقاً للقانون الإنساني الدولي، يجعل الاستخدام المزدوج  للأغراض المدنية والعسكرية من المطار هدفاً عسكرياً مشروعاً.

تغيير قواعد اللعبة
وتلفت لايتنر في رسالتها، أنه في انتهاكٍ صارخ لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، حصل حزب الله على ترسانة من مئات الآلاف من الصواريخ وغيرها من الأسلحة، ما يجعله اليوم أقوى لاعب غير حكومي في العالم. ومع فشل القوى الدولية في احباط مساعيه. قد يوفر قانون الولايات المتحدة، واحتمال أن تصبح كبريات شركات الطيران، والتأمين العالمية عرضةً للمساءلة والملاحقة القانونيّة، وصولاً إلى المحاكمة الجنائية، كونها تعرض حياة ركابها للخطر بسبب الإهمال والتهور، من خلال نقلهم إلى المطار، أساساً متيناً لتغيير قواعد اللعبة.

وتابعت بالقول: "خلال عام 2019 وحده، وقبل أن تتسبب جائحة كوفيد -19 في إصابة الطيران المدني بالشلل، تعامل مطار رفيق الحريري الدولي الذي يُعد مركزاً لشركة "طيران الشرق الأوسط" مع ما يقرب من 9 ملايين مسافر. هناك ثمانية عشر شركة طيران دولية أخرى، بما في ذلك "طيران الإمارات"، و"الخطوط الجويّة الفرنسيّة"، "أليطاليا"، و"لوفتهانزا"، تطير من وإلى بيروت. وتلك الشركات مع علمها بسيطرة حزب الله على المطار والمناطق المحيطة به، تعرض ركابها وطائراتها لخطر مباشر. لا تتحمل شركات الطيران التجارية التي تسافر إلى بيروت المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن سلامة ركابها وحسب، ولكنها تساعد وتحرض عن غير قصد على استمرار استخدام المطار من قبل الإرهابيين".

وتقول الحملة الإسرائيلية: تم تصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية أجنبية من قبل العديد من بلدان العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة. وبموجب أحكام الفصل 113 ب، من العنوان 18، من قانون الولايات المتحدة، تُعتبر جريمة فيدرالية أن يقدم فرد أو شركة "دعماً مادياً أو موارد" لمنظمة إرهابية أجنبية محددة مثل حزب الله. ويتم تعريف الدعم المادي أو الموارد على نطاق واسع ليشمل أي نوع الخدمة والموظفين والنقل. ونذكر في السياق أن الكونغرس الأميركي أقر عام 2018، قانون معاقبة استخدام المدنيين كدروع بشرية، مع التركيز على الاستخدام غير المشروع لحزب الله وحماس لهذا التكتيك.

وهكذا تستخدم منظمة "شورات هدين" هذا القانون للإشارة إلى نقل الركاب والطواقم الجوية عن قصدٍ إلى مركز للنشاط الإرهابي.

رسائل تحذير
تخاطر الخطوط الجوية التي تقدم رحلات من وإلى بيروت، حسب لايتنر، باحتمال تعرض طائراتها للانفجار من السماء بواسطة أنظمة دفاع جوي محمولة، سواء تم إطلاقها عن قصد أو عرضاً على طائرة مدنية، تماماً كما حصل مع الطائرة الأوكرانية التي أُسقطت بصاروخ تابع للحرس الثوري الإيراني بالقرب من طهران في كانون الثاني 2020.

وبينما يغرق لبنان في معضلة الإفلاس، وتظهر جلياً حاجته الماسة إلى الإيرادات الأجنبية التي يجلبها سفر الأعمال والمغتربين والسياح إلى البلاد. تشدد لايتنر أن الضغط على شركات الطيران المعرضة للملاحقة المدنية والجنائية من خلال قوانين مكافحة الإرهاب الأميركية، قد يجبرها بدورها للضغط على الحكومة اللبنانية للقضاء نهائياً على سيطرة حزب الله على لبنان.

على هذه الخلفية، تقدمت "شورات هدين" بكتابٍ تحذيري وجّهته إلى شركات الطيران والتأمين العالميّة. محذرةً أن مطار بيروت بات عش دبابير لحزب الله الذي يقود في محيطه عمليات إرهابية على نطاق واسع. وكشفت عن الخطر الطائش والساخر الذي تنطوي عليه استراتيجية الحزب بتخزين الأسلحة في المنشآت المدنية. مطالبةً شركات الطيران وشركات التأمين بعدم السماح لنفسها وركابها وطائراتها بالاشتراك بهذه اللعبة.

حزب الله الهدف الدائم
وكانت المحامية لايتنر قد عرضت في كتابها "هاربون Harpoon"، وهو اسم وحدة في الموساد متخصصة في تتبع التمويلات، الذي صدر في تشرين الأول 2017، تفاصيل مهمة وحيوية عن متابعة المخابرات الإسرائيلية شبكة حزب الله المالية قبل فترة طويلة من اهتمام الولايات المتحدة بها. وروت ما حصل حينذاك مع رجل الأعمال المقرب من حزب الله صلاح عزالدين، الذي أعلن إفلاسه.

وكشفت لايتنر أن منظمتها التي سبق أن حازت على أحكام من محاكم أميركية بالحجز على أرصدة تتبع بطريقة غير مباشرة لإيران وحركة حماس. عملت مع جهاز "الموساد" الذي أنشأ وحدة لتصفية حسابات الحزب ومنظمات فلسطينية، وتسببت بإفلاس عزالدين.

وجدير بالذكر أن "شورات هدين" حصلت على قرار من المحاكم الأميركية في تشرين الثاني 2012 ضد البنك "اللبناني-الكندي"، الذي استخدم بنك "أميركان إكسبريس" كمصرف مراسل له في الولايات المتحدة. وقد دفع ضغط المنظمة الإسرائيلية بمحكمة الاستئناف الأميركية إلى إصدار قرار بأن المصارف المراسلة ستكون مسؤولة عن الأضرار المدنية بموجب قوانين تمويل مكافحة الإرهاب، إذا تبين لها أنها سهلت المعاملات التي يمكن في نهاية المطاف أن تُعزى إلى الجماعات الارهابية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024