حادثة قبرشمون معطَّلة بالمحكمة العسكرية: سطوة حزب الله

المدن - لبنان

الخميس 2019/08/01

دخلت إحالة ملف قبرشمون على القضاء العسكري أسبوعها الثاني، من دون أن يصدر قرار عنه بالادعاء على الموقوفين والمشتبه بهم، أو إعلان عدم اختصاصه للنظر فيها، ما أثار مزيداً من الغموض عمّا يحاك في كواليس هذه القضية، التي زجّت البلد في الشلل والتعطيل الحكومي، لكنّ مرجعاً قانونياً، عزا تأخير الادعاء إلى "ضغوط سياسية من أعلى المستويات تمارس على القضاء، لتجميد الملف إلى حين معرفة وجهة التسوية السياسية". وأكد لـ"المدن" أن "ذروة الضغط والتهويل على القضاء العسكري، جاء على لسان الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله، الذي أعلن دعمه المطلق لموقف حليفه النائب طلال أرسلان بإحالة الملف على المجلس العدلي، وتحذيره المبطّن من عدم تخطّي هذه مطلب أرسلان تحت أي ذريعة".

حجز حرية وتعسّف
وأشار المرجع القانوني الذي رفض ذكر اسمه، إلى أن أصول المحاكمات الجزائية، يحتّم على النيابات العامة، سواء الاستئنافية أو العسكرية أو المالية، المسارعة بالادعاء على الموقوفين والمشتبه بهم، في مهلة لا تتعدى اليومين من تسلّمها الملف، وأن تحدد ماهية الجرم المنسوب إلى كلّ منهم، أو تعلن عدم صلاحيتها للنظر في القضية وتعيدها إلى النيابة العامة التمييزية لإجراء المقتضى".

المشكلة هنا لا تمكن في تأخير الادعاء وحسب، بل باستمرار التوقيف الاحتياطي لأربعة من مناصري الحزب التقدمي الاشتراكي، مضى على توقيفهم شهر كامل، ورأى المرجع القانوني أن ذلك "يقع في خانة حجز الحرية والتعسّف في استعمال السلطة، إذ كان يفترض الادعاء عليهم وإحالتهم على قاضي التحقيق لاستجوابهم، وإصدار مذكرات توقيف بحقهم، أو إطلاق سراحهم"، لافتاً إلى أن "مهلة التوقيف الاحتياطي محصورة بـ 48 ساعة، ويمكن للنائب العام التمييزي أن يمددها لمدّة مماثلة، وهذه المهلة يجب احترامها والتقيّد بها، لكن ما نراه الآن يشكّل خرقاً واضحاً للقانون".

ويعكف مفوضّ الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية، القاضي كلود غانم، منذ يوم الثلاثاء الماضي، على دراسة التحقيقات الأولية التي أجرتها شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، بشأن حادثة قبرشمون ــ البساتين، التي نجم عنها مقتل اثنين من مرافقي وزير شؤون النازحين صالح الغريب، هما سامر أبو فرّاج ورامي سلمان، وفيما بقيت أسباب التأخير غامضة، قالت مصادر في المحكمة العسكرية لـ"المدن"، إن القاضي كلود غانم "لا يزال يدرس التحقيقات الأولية المؤلفة من 700صفحة، عدا عن مراجعة المضبوطات، ومنها محتويات كاميرات المراقبة، وأشرطة الفيديو التي صورها أشخاص كانوا في مكان الحادث، ومطابقتها على النصوص المكتوبة، وإعطاء التوصيف القانوني لكلّ تهمة ستسند إلى كلّ من الموقوفين أو المشتبه بهم، الذين لم يتم تسليمهم من الطرفين". وعزت أسباب تأخير الادعاء، إلى "تطورات جديدة طرأت على الملف، منها مثلاً توقيف أحد الأشخاص قبل يومين بمحاولة اقتحام منزل الوزير صالح الغريب لضمها إلى الملف". وتوقّعت مصادر المحكمة العسكرية أن "يصدر القاضي غانم إدعاءه بين ساعة وأخرى، ويحال الملف على قاضي التحقيق العسكري للبدء باستجواب الموقوفين، واتخاذ القرار المناسب بشأنهم".

مرافقو الوزير.. والمخالفات الصريحة
وفيما يتقاذف طرفا الأزمة، أي الحزب التقدمي الاشتراكي والحزب الديمقراطي اللبناني، كرة الاتهامات في التسبب بحادثة قبرشمون، عزا المرجع القانوني تجميد الادعاء في جزء منها، "لضغوطٍ يمارسها أرسلان وحلفاؤه، لتجنّب إدراج أسماء ثمانية من مرافقي الوزير غريب ضمن ورقة الطلب (الادعاء)، وتحويلهم إلى مدعى عليهم، علماً أن أرسلان يرفض قطعاً مثولهم أمام المحققين، ويعتبرهم مجرّد شهود يمكن أن يدلون بإفاداتهم أمام المجلس العدلي وليس أمام أي فرع المعلومات أو أي جهة أمنية أخرى". مقابل رفض الحزب التقدمي الاشتراكي ورئيسه النائب السابق وليد جنبلاط، لـ"الأحكام العرفية والمحاكم الميدانية"، في إشارة واضحة الى اعتراضه على إحالتها على أي من المحاكم الاستثنائية، سواء المحكمة العسكرية أو المجلس العدلي.

ولا يختلف رجال القانون على أن تأخير البت بالملف ينطوي على مخالفة صريحة، خصوصاً بوجود موقوفين لم يحسم وضعهم بعد، وأوضح النائب العام التمييزي السابق القاضي حاتم ماضي لـ"المدن"، أنه "يفترض بالنيابة العامة التمييزية أن تسطر ورقة طلب (ادعاء) في اليوم الذي تسلمت فيه الملف من النائب العام التمييزي (القاضي عماد قبلان) أو في اليوم التالي، وإحالته على قاضي التحقيق العسكري لاستجواب الموقوفين". ورأى أن "استمرار توقيف أشخاص من دون صدور مذكرات توقيف، مخالف للقانون ولأبسط حقوق الإنسان، فإما تصدر مذكرات عن قاضي التحقيق بتوقيف، أو تقرر النيابة العامة الافراج عنهم"، مذكراً بأن "مهلة التوقيف الاحتياطي يجب لا تتخطى الأربعة أيام".

مخاوف مبررة
ورغم تمسّك رفضي النزاع بشروطهما، لم يحدد الحزب التقدمي الاشتراكي، أسباب رفضه وضع ملف قبرشمون في عهدة المحكمة العسكرية أو المجلس العدلي، عزا وزير عدل سابق السبب إلى تأثير "حزب الله" الواضح على المحكمة العسكرية، وقال: "مشكلة المحكمة العسكرية أنها مؤلفة من ضباط، لا يتمتعون بمؤهلات قانونية كافية"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن المجلس العدلي "مؤلّف من كبار القضاة المشهود لهم بالعلم والنزاهة والكفاءة، بينما تكمن المشكلة في أن إحالة القضية على المجلس العدلي، ستصدر بمرسوم عن مجلس الوزراء، ومن ثم يعيّن وزير العدل محققاً عدلياً للقضية، وهنا أصل العقدة".

وبرأي وزير العدل السابق، فإن مخاوف جنبلاط، وكلّ رافضي إحالة ملف قبرشمون على المجلس العدلي له ما يبرره، وقال: "لا يمكن الوثوق بمحقق عدلي يعينه وزير العدل (ألبيرت سرحان) الذي بات طرفاً في هذا النزاع، كما أن مذكرات التوقيف التي يصدرها المحقق العدلي، وحتى القرار الاتهامي لا يمكن الاعتراض عليه أو الطعن فيه، وبالتالي يصبح المجلس العدلي بكل قضاته، مقيّداً حكماً بما يتضمنه القرار الاتهامي وبالتهم، التي ساقها فيه". 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024