مرشّحون إلى الرئاسة.. كأن شيئاً لم يكن!

فادي تويني

الجمعة 2020/06/26
فيما البلد معلّق بحبال الهواء، والناس يبحثون عن رزقهم، تجد السياسيّين، أو بعضهم، منهمكين في التحضير لرئاسيات تفصلنا عنها سنتان.

هم عاكفون عليها وكأنّ شيئاً لم يكن. لا انتفاضة كبرى حصلت ولا انهيار، ولا خُرِبت بيوت الناس، بل على العكس. ويفترضون أن حقوقهم محفوظة ثابتة في كرسي الحكم، بصرف النظر عمّا اقترفوه. ولو أن حزب الله يطلب منهم راهناً - على ما يُقال - إبعاد كأس الاختيار بينهم عنه.
فلنراعي غرورهم، إذاً، ونشاطرهم تقويماً مختصراً يفصل بين سجلّهم والمطلوب اليوم. 

جبران باسيل: بعد فشل في وزارة الطاقة على قدْر المزاعم، وخسائر منذ 2010 تفوق 20 مليار دولار في الكهرباء، من دون احتساب الفوائد (البعض قدّر الخسائر بأكثر من 40 ملياراً)، وبعد الكوارث البيئية الناجمة عن مشاريع سدود متكابرة فاشلة، ما زال باسيل مصرّاً على سلوك طريق بعبدا، فيما الأجدى أن يسلك شارع سامي الصلح ويمثل أمام قصر العدل.

سليمان فرنجية: في السياسة كما في الطبّ، لا عواطف ولا ميراث ولا حقّ مكتسباً. لفرنجية قاعدته في زغرتا الزاوية وصداقاته السياسية، لا شكّ. وله أيضاً صراحته العفوية. إنما باقي لبنان ليس ضمن دائرته الانتخابية. ولا هي إنجازات وزارة الأشغال التي ترفع الرأس، ولا المآسي البيئية على بوّابة منطقته. وهو أدرى أن ما هو مطلوب اليوم من مجهود، وعِلم، ورحابة أفق، وخبرةً وإنجاز، ليس في متناوله. والصدق أبلغ معيار.

سمير جعجع: اقترف ذنبين إثنين ينزعان عنه الأهلية. أولاً، ترشيحه ميشال عون للرئاسة، متشاطراً في حسابٍ خاطئ كلّف لبنان ما كلّفه. وثانياً، خطيئته الأصليّة في الحرب اللبنانية، ولو أنه دفع الفاتورة خلافاً لسواه. فعواقبها، أي الخطيئة، لا تُمحى ولا تَرحم، والحكمة إنما في تحفّظه عن المقام الأول الذي يشمل اللبنانيين جميعهم بأطيافهم وطوائفهم.

من هو البديل المقترح، إذاً؟
لا، ما كلّما دقّ الكوز بالجرّة، نعود ونسمع بالمرشّح الدائم جان عبيد! هو، لمن لا يعرفه من الجيل الجديد، تقليدي ينتمي في السياسة إلى "دبلوماسية" لا طائل منها، وإلى رمزية فاقعة. نرجو له قسطاً من الراحة والخلوّ في طمأنينة إلى أبيات أبي العلاء.

حزب الله، لِأنّ له في كل عرس قرصاً: ترجّحَ بين الغلُوّ الثورَوي في الأمس والتقوقع اليوم في الحفاظ على النظام أو بالأحرى على عدمه. نصيحة نسديها: آن لكم ألّا تستأثروا بالآية الكريمة في تسمية حزبكم، وضعوا شعار "حزب المحافظين الجُدد في لبنان" مكان "المقاومة الإسلامية في لبنان". لولا الحزب وتحفظه، لتهاوت المنظومة واستُبدلت في أدنى تشنّج، حكومةً ورئاسةً ومجلساً، لما فيه خير البلد.

المعيار في الخيار: أولاً، الحاجة هي إلى رئيس منتخب من مجلس نواب جديد، على أساس قانون نسبي معدّل مبسّط، يحقّ فيه للناخب الاختيار من لوائح مختلفة لقطع الطريق على أحزاب أكثرها ليست أحزاب برامج بل مذاهب. وأمّا الدائرة الانتخابية فهي المحافظة، كما نص عليها "الطائف"، لا مبالغة في حجمها صَغُرت أم كَبُرت، ولا هي تُفصَّل لكل حزب أو مرشّح على مقياسه.

ثانياً، المرشح محلّي، من الشتات، أو ما بين الإثنين، لا فرق. إستقامته لا شائبة فيها، وكذلك شجاعته الأخلاقية (والجسدية). صاحب رؤية للبنان تستند إلى معرفة واسعة وخبرة ونجاحات محقّقة، وفَهْم دقيق لخصوصيات الداخل اللبناني كما للعلاقات مع الخارج. جامع بأسلوبه، لا يفرّق بين اللبنانيين ولا يثير النعرات، حلّال مشاكل، طموح في أهدافه، معياره النتائج. ولاؤه للبنان مطلق، أرضاً وطبيعةً وشعباً، وللدستور. بكلمة، هو رئيس يعيد الثقة، ومعها الليرة، التي بدّدتها حكومة صُوَرية ورئاسة عاجزة. مواصفاتٌ رئاسية هي هذه إنما لا تشبه الوجوه المألوفة.

رزق الله أيام الرئيسين شارل دباس وأميل اده، من أوائل الرؤساء، مستقيمان، كفؤان، متفانيان؛ الأول، بعد شهادة في الحقوق من الجامعة اليسوعية، حصل على الدكتوراه من جامعة باريس، ثم ساهم في العاصمة الفرنسية في مجلة إصلاحية رائدة. من أوائل الدعاة إلى دولة لبنان الكبير، كان مسؤولاً عن دائرة العدل تحت الإدارة الفرنسية قبل انتخابه أوّلَ رئيس للجمهورية بعد إعلان الدستور في أيار 1926. عُرف بنظافة كفّه وحسن أدائه. أميل اده، من كبار الحقوقيين، تخرّج من جامعة أكس-آن-بروفانس، وأسس مكتبه قبل الحرب العالمية الأولى، حيث تدرّج أمثال الرئيسين بشارة الخوري وكميل شمعون. كان مرجعاً لطلاب الحقوق في مرافعاته ورصانة أدائه، وقد أسّس نقابة المحامين في بيروت. لعب دوراً مهماً في إنجاز الكيان اللبناني المستقل. عيّنه الرئيس دباس رئيساً للوزراء في العام 1929 وانتُخب رئيساً للجمهورية في العام 1936. للقبول بترؤس حكومة 1929، أصرّ إده على أن يقرّ مجلس النواب قانوناً يجيز لحكومته العمل بمراسيم إشتراعية لإنجاز برنامجه الإصلاحي على وجه السرعة. فخلال فترة لم تتعدَّ المئة يوم، تم تنفيذ 700 مرسوم شملت سائر القطاعات الحكومية، من الإدارة والعدل والمال إلى الزراعة والصحة والتعليم، من أجل تخفيض الأعباء والهدر، وتحسين أداء القطاعات، وتحديثها.

بالعودة إلى تلك الحقبة، أبلغ مواصفاتٍ للرئيس تأتينا من عُمر الزعنّي في ما قاله عن شارل دباس بعد رحيله:
ياهو يا ناس شو عمل الدباس
لا باع بلاده ولا خسر الناس
ست سبع سنين حكم مسكين
لا خالف مذهب ولا غيّر دين
لا هدم شارع ولا بنى جامع
خدم أوطانو بقدر إمكانو
حسب ضميرو حسب وجدانه
عمل بأصلو ما ورّث أهلو
ولا طوّل إيدو ولا عبّى كياس.     

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024