الطمع بالثلث المعطل والحسابات الإيرانية معاً.. يؤجلان الحكومة

منير الربيع

الأربعاء 2018/10/31

 

أغلب الظن، هناك إشارة خفية خارجية (إقليمية)، هي التي أجّلت إعلان ولادة الحكومة، وأبعدت موعدها. يشبه ذلك تماماً الحال بين القوات اللبنانية وتيار المستقبل، التي ارتبطت بالرؤية السعودية ونهجها في لبنان، ووضع الشروط الموائمة لمطالب القوات اللبنانية. لا بد إذاً، والحال هكذا، أن تستجد شروط من نوع مضاد على المقلب الآخر، أي عند محور حزب الله، وهي التي أدت إلى تأخير التشكيلة الحكومية في اللحظة الأخيرة. صحيح أن العقدة "داخلية"، وتتعلق بهدف استراتيجي يريد حزب الله تحقيقه في الساحة السنية وزارياً، بعد أن كان قد حققه نيابياً. ولكن هناك أيضاً من يشجع ويدعم هذه الخطوات إقليمياً. ربما يكون ذلك مرتبطاً بالتشدد الإيراني ما قبل دخول العقوبات حيز التنفيذ.

 

بعد سريان العقوبات، لن يكون لدى الإيرانيين شيء ليخسروه. وعليه، تتقرر الوجهة إما التحدي أو المساومة. إلى ذلك الحين، الخطوات والقرارات السياسية الإيرانية في المنطقة ستكون مهجوسة بتوفير أكبر قدر من الأوراق، وأوسع قدر من المواقع، وأفضل قدر من الشروط. بناء على هذه المقاربة، يجوز تعليل اختلاق العقدة الجديدة التي أخّرت ولادة الحكومة. بل يمكن ربطها بسؤال: هل ينتظر حزب الله الإنتخابات النصفية الأميركية، لمعرفة ما إذا كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيبقى مرتاحاً أم أنه سيتلقى هزيمة تضعف سلطته، وبالتالي يصبح بالإمكان تحسين الشروط الإيرانية أكثر؟ أو هل إيران تنتظر تواصلاً غربياً معها لتسهيل ولادة الحكومة اللبنانية، قبل دخول العقوبات حيز التنفيذ، وبالتالي فتح ثغرة تواصل مع بعض الدول الأوروبية، بوصفها دولة تساعد على حل مشاكل المنطقة، لا "دولة مشاكل المنطقة"؟

 

كل هذه الأسئلة جائز طرحها، في ظل عدم وجود أي مبرر واحد، لدى أي طرف محلي، يحول دون إعلان الحكومة، في الموعد الذي كان يحبّذه الرئيس ميشال عون، أي في الذكرى الثانية لتوليه رئاسة الجمهورية.

 

بعيداً عن هذه الأسباب الخارجية، ثمة أيضاً شياطين تكمن في التفاصيل الداخلية. حتى الآن حصة عون والتيار الوطني الحرّ لا تزال مبهمة وغير واضحة. في الشكل والإعلان، يعتبر الجميع أن عون والتيار حصلا على عشرة وزراء، ولكن من دون التطرق إلى الإسم الدرزي الثالث، الذي من المفترض أن يختاره عون من بين الأسماء المقدمة من رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، أو رئيس الحزب الديمقراطي طلال إرسلان. وإذا ما كان توجه عون لتسمية وزير من إقتراحات ارسلان، فهذا يعني أنه قد حصل على 11 وزيراً، أي الثلث المعطّل.

 

وهنا يكمن السر الأخطر والأهم في بقاء لبنان بلا حكومة كل هذا الزمن. هل حزب الله يريد منح عون هذا الثلث المعطّل بذاته، بحيث تكون بيده عقدة الحلّ والربط وتأمين ديمومة الحكومة؟ القراءات هنا مختلفة. البعض يعتبر أن حزب الله لا يعير هذه التفاصيل أي أهمية، فهو صاحب السطوة والقرار النهائي. بينما البعض الآخر يعتبر أن حزب الله، تمسّك بشرط توزير سنّي من حصة الثامن من آذار، لسحب الثلث المعطّل من يد عون، وإبقائه بيده، على قاعدة أنه قادر على منحه للرئيس ولتياره عند الحاجة، وبذلك يكون قد أمسك بزمام القرار التعطيلي أو "الإعتكافي" للحكومة.

تصح هذه القراءة، بالنظر إلى تصلّب الحريري بعدم تنازله عن أي وزير سني من حصته، فيما يصرّ حزب الله على توزير واحد من هؤلاء النواب السنّة (خارج "المستقبل")، ورفض الحزب المقايضة مع عون. ما يعني أن حلّ عقدة الوزير السني "المستقل" لن تكون إلا من حصة رئيس الجمهورية. بذلك يتخلى عون عن وزيره السنّي لصالح وزير يمثّل سنة 8 آذار، وبالتالي يفقد الثلث المعطّل، فيما يكون قادراً على تحصيله، في اللحظة التي يأذن حزب الله بذلك.

 

أيضاً، هناك قراءة ثالثة لما حدث، تشير إلى إحتمال وجود توزيع أدوار بين عون وحزب الله، من أجل تأخير الولادة الحكومية لبضعة أيام، ريثما تتضح صورة العقوبات على إيران والإنتخابات الأميركية، إذ أن عون يمتلك ورقة تعطيلية جديدة، إذا ما اقتضت الحاجة لذلك، وهذه الورقة ظهرت بمجرّد التلويح بإحتمال رفض عون منح القوات وزيرين مارونيين، والمطالبة بالتنازل عن أحدهما لتعزيز حصّته المارونية. بينما مصادر أخرى لا توافق على نظرية تبادل الأدوار، لأن الطرفين كانا مستعجلين على تشكيل الحكومة قبل العقوبات، طمعاً بتحصين وضع حزب الله رسمياً وشرعياً.

 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024