انتخابات نقابة المحامين تدق ناقوس الخطر: أي معارضة تريدون؟

جاد هاني

الثلاثاء 2021/11/23

أسفرت نتائج انتخابات نقابة المحامين عن هزيمة المجموعات التغييرية. وكانت بمثابة صاعق فجر تراكم الألغام التي سببته ديناميات العلاقة بين هذه المجموعات، التي أُسِس لها بطريقة متسلسلة في العديد من الاستحقاقات السابقة. وظهرت بوادر هذا الانفجار في العديد من المقالات في بعض الصحف، التي كانت تنقل أجواء المفاوضات قبيل الاستحقاق الانتخابي. ومن ثم جاءت النتائج، وجاء معها تقاذف التهم وتصفية الحسابات بطريقة شرسة بين جميع الأطراف. لذا، من المهم جداً أن نوضح للرأي العام والمتابعين المنحازين للتغيير. فما حصل في الآونة الأخيرة ليس بسيطاً. والتعليقات والحملات التي حصلت على مواقع التواصل الاجتماعي بعد صدور النتائج، لا تساهم إلا في زيادة ضبابية المشهد.

تحالف النقابة تنتفض
إن الاكتساح الكبير الذي حققته هذه الحملة في نقابة المهندسين كانت له تداعيات إيجابية جداً، زادت فيه المجموعات التغييرية رصيدها ضمن نتائج المواجهات مع قوى المنظومة، إلا أن هذه الحملة سلطت الضوء على بعض الشؤون والمفترقات المبدئية، التي من شأنها أن تخلق شرخاً كبيراً في صفوف المجموعات، إن لم يتم التعامل معها بجدية ووضوح. واحدة من أهم هذه الأمور هي ملف التحالف مع حزب الكتائب، الذي كان العديد من المجموعات والشخصيات تتجنبه، إما لتفادي تهمة تعويم حزب الكتائب بين صفوف المعارضة، أو لرمي تهمة "انقسام المعارضة" عن عاتقها. من الضروري أن نحدد سياق هاتين التهمتين. الأولى، كانت من المحرمات بين العديد من المجموعات التي تؤمن بالجذرية والبناء القاعدي. والثانية، أصبح لها عواقب كبيرة خاصةً مع ارتباط تمويل العديد من الجهات بشرط توحيد الصفوف وتوالي الحملات التي تدعي "توحيد المعارضة" (أي تعويم الكتائب بالقوة)، التي اتسمت بـ"الشعبوية" البعيدة عن منطق السياسة والاستراتيجيات الانتخابية. ورغم إصرار العديد من المجموعات في الجمعية العمومية لهذا التحالف على رفض ضم حزب الكتائب للائتلاف أو تبني مرشحيه، إلا أن حنكة حزب الكتائب، وتواجد بعض المجموعات المنضوية في جبهة المعارضة اللبنانية في التحالف، أدى إلى فرض مرشحين كتائبيين على لوائح النقابة تنتفض من خلال ممارسات غير شفافة داخل لجان العمل.

حاول العديد من الأخصام استخدام هذا التحالف السري ضد الائتلاف، خلال المعركة الانتخابية، لكن صدى الانتصارات والتنظيم كان أعلى من الحملات التي شُنت، مما سهل تهرب الجهات المعنية داخل الائتلاف من توضيح ما حصل، متسلحين بالانتصار رغم مطالبة العديد من ممثلي المجموعات بالمسائلة والمحاسبة.

تحالف نقابتنا
مضت أشهر عدة على استحقاق نقابة المهندسين، وتخلل هذه الأشهر العديد من اللقاءات والاجتماعات بين مختلف المجموعات، للتحاور والتشاور حول سؤال أي معارضة نريد؟ كان العديد منها موضوعياً وشفافاً ومنتجاً. لكن من المستغرب أن بعض هذه المجموعات لم يعجبها توجه حملة نقابتنا، فمنهم من تذمر في اجتماعات تحديد معايير المرشحين من بند يتعلق بالتوريث السياسي، وقرر مغادرة الاجتماع. وآخرون قرروا التنحي عن دعم الحملة أجمع، بعد انسحاب كريم ضاهر المرشح عن مقعد النقيب، علماً أن موقف ضاهر كان واضحاً: إما وجود الكتائب في التحالف أو ينسحب.

في المقابل، تشبثت مجموعة "مواطنون ومواطنات في دولة" بمشرحها موسى خوري لمركز النقيب، رغم وضوح خطاب (ممفد) في ما يخص العديد من الملفات والاستحقاقات التي سترمى في ملعب النقابة في المستقبل القريب. كان هناك العديد النكسات التي لم تخول خوري أن يكون المرشح المثالي للحملة، أهمها شد العصب الكبير التي مارسته أحزاب اليمين من جهة والعنجهية غير المبررة من ممثلي "ممفد" في المفاوضات من جهة أخرى، مما صعب اتخاذ قرار تفضيل مرشح "ممفد" على مرشح حزب الكتلة الوطنية رمزي هيكل.

الدروس المستخلصة
برأيي الشخصي، من الدروس التي نستخلصها كقوى معارضة، أن علينا تحديد أولوياتنا ودراسة المعركة التي سنخوضها في أي استحقاق، ومن ثم نزن الإيجابيات والسلبيات ودرجة الاستفادة من أي تحالف نسبة للمساومة على المبادئ، ومن ثم نقرر كيفية خوض هذه المعارك.
إذا قاربنا نتائج معركة نقابة المحامين استناداً للإطار أعلاه، نرى أن حزب الكتائب قرر التخلي عن حلفائه المنضوين في جبهة المعارضة اللبنانية، حين حصد المرشحون الكتائبيون على ما يفوق الـ1300 صوت، بينما حصد مرشح حزب تقدم المدعوم من الجبهة نفسها 94 صوتاً، مما يقوي من فرضيات التحالفات السرية بين حزب الكتائب وحركة أمل والمستقبل. من هنا، يجدر السؤال بمعزل عن كل الخلافات المبدئية، ما هي القيمة المضافة لأي تحالف مع حزب الكتائب؟

يبدو أن حركة "مواطنون ومواطنات في دولة" قد حسمت خيارها بخوض كل المعارك من دون أي مساومة مع كافة المجموعات. لكن من المهم أن نلقي نظرة على عدد الأصوات التي جمعها المرشح موسى خوري (772)، وهو أعلى عدد يحصد من قبل مرشحي "نقابتنا" غير مدعومين من جبهة المعارضة، رغم قساوة المعركة وحدية الاستقطاب المعادي لليسار داخل النقابة.

أما بالنسبة لحزب الكتلة الوطنية، فيبدو أنه أيضاً حسم خياراته بالانضواء تحت جناح الكتائب، بعد أن أكدت مصادر داخلية من جبهة المعارضة أن مفاوضات جرت بين الكتلة والجبهة للمفاضلة بين المرشح الكسندر نجار والمرشح رمزي هيكل على مقعد النقيب.

يبقى تحالف وطني وحزب "منتشرين" الذين بدوا مقربين من جو جبهة المعارضة، بينما لم تصدر أي مواقف رسمية تجاه بعض التناقضات في تموضعهم.

بناءً على ما ذكر أعلاه وعلى نتائج الاستحقاق الأخير، ربما على جميع المجموعات والأحزاب التغييرية، المؤمنة بروحية انتفاضة 17 تشرين، والمؤمنة بالتنظيم القاعدي والجذري، أن تعيد الحساب. فما زال لدينا فرصة حقيقية للعمل سوياً على تشكيل تحالف يتسم بالوضوح تجاه كافة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
الانجرار وراء تحالفات وجبهات هجينة لن يؤدي إلا لتكرار سيناريو ثورة الأرز، فتموت روحية ثورة انبثقت من القاعدة.

(*) تعبّر المقالة عن وجهة نظر كاتبها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024