هباء عام 2018

يوسف بزي

الإثنين 2018/12/31
إذا قارنا عام 2018 بسنوات أخرى، مثلاً 2011 المجيدة، أو 2008 السوداء أو 2006 المدمرة، وبالطبع تلك السنة الرهيبة 2005 دماً وعنفواناً. مع تلك المقارنة، لا شيء يدفعنا للفخر أننا عشنا 2018.

حتى ذاك العام الكئيب 2015، كان لديه ما يقدمه. بل يقال أن وعي جيل جديد تبلور حينها في ساحات الحراك المدني. لكن مذاك التاريخ الوجيز، ليس في طيات الزمن الفائت ما يمكن حفظه أو تدوينه. زمن مهدور في اللامعنى تقريباً.

تركة 2018 الوحيدة هي الانتخابات النيابية، التي ترجمت على نحو محبط انهيار المناعة الوطنية لصالح نمط قبائلي من الولاء، مع رسوخ "حزب الله" كجهاز وكمرجعية أخيرة للسلطة والسياسة. تحت سجادة حزب الله، طبقة من الساسة والأحزاب والعائلات المتنازعة على المزيد من المغانم والتربح.. والكثير من الفساد العلني. طبقة لا تتورع عن أي شكل من أشكال التحريض والتخويف المذهبي والطائفي. بل وفي أحيان كثيرة أضافت المزيد من التحريض العنصري، خصوصاً تجاه اللاجئين السوريين. سعار الطائفية والعنصرية والكراهية، إضافة إلى فاعلية منظومة الزبائنية، كانا محركاً قوياً لمزاج الناخبين. 

مع نتائج الانتخابات، ومفاعيل تمدد حزب الله ما بين لبنان وسوريا، تحولت الدولة من عامل "وحدة" إلى مصدر صراع واحتراب وشقاق أهلي. شعار "العهد القوي" يكشف الحاجة الماسة للتعويض اللفظي عن فداحة الضعف.

365 يوماً من زمن رتيب ضعيف القيمة. خصوصاً أن العالم نفسه، على منوال لبنان، خلا من تحول أو تغير يستحق التقدير. المزيد من الفوضى المبتدئة بلحظة صعود ترامب عام 2016، والمزيد من وطأة اقتصاد عالمي لا هو مزدهر ولا هو مأزوم لكنه الأقل عدالة منذ ثمانينات العهد الريغاني - التاتشري. فيما ومضة "السترات الصفر" تنطفئ سريعاً، طالما أن لا اليسار مبدعاً ولا اليمين خلّاقاً. ثمة نقص فادح في الأفكار.

في العالم العربي، أوجزت جريمة اغتيال جمال خاشقجي في تشرين الأول 2018، النظام العربي "الجديد" الذي استعاد في هذا العام كامل ثقته بنفسه وبـ"أبديته". تتويج هزيمة الربيع العربي رمزياً ومادياً. استعادة "الداعشية" كاختصاص تحتكره أجهزة السلطة. نظام عربي سيواجه ضبط مئات الملايين من المواطنين، الذين سيشكل الشبان منهم النسبة الأكبر، ويعجز في المقابل عن تأمين فرص العمل لمعظمهم، ويوغل أكثر في الفساد والهدر والنهب وتضييع فرص التنمية، والمزيد من انهيار نوعية التعليم وخراب البيئة وتدمير الأرياف، إضافة إلى عجز المدن عن استيعاب المهاجرين واللاجئين. دول الخوف ومجتمعات الفقر.

ليس أمام هكذا معضلة يواجهها النظام العربي سوى الاقتراح الفذ الذي جسده بشار الأسد: الجريمة إلى مستوى الإبادة، والقمع إلى مستوى الاستعباد. فيما العالم الخائف من أولئك الملايين الهائمين على وجوههم ولكي لا يتحولوا إلى "مهاجرين" و"غزاة"، كما حدث ما بين 2011 و2016 خصوصاً، فسيعود إلى تطبيع وتعويم تلك الأنظمة من دون تردد.. ولتذهب "الدمقرطة" و"حقوق الإنسان" إلى الجحيم.

انقضى عام 2018، بوصفه تمديداً زائداً لمقدمات ونتائج الأعوام الممتدة بين 2011 و2016. زائدة زمنية تشبه العقاب. حتى التقدم التكنولوجي، بدا في هذه السنة خالياً من إنجازات بارزة. بل ويمكن تسجيل انتكاسات خطيرة على مستوى الوعود التي أتت بها منصات التواصل الاجتماعي: المزيد من الحرية تحول إلى المزيد من الرقابة ومن خسارة الخصوصيات لصالح شبكات الهيمنة السلطوية واختراقاتها.

السيء الآن، ليس أفول العام "الرمادي" المترع بالإحباط، بل شبح العام الجديد الذي يبدو متناسلاً من رحم الكآبة ذاتها. ولا نقول هذا يأساً بل تحريضاً لصنع قدر مختلف، هنا في لبنان، هناك في أي دولة عربية، هنالك في العالم كله.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024