إعلام حزب الله وتهديداته الكابوسية يُبقيان إسرائيل خائفة

سامي خليفة

الجمعة 2019/06/14
يعود ملف حزب الله ليحتل الصدارة في الإعلام الإسرائيلي، ويعكس ما تم تداوله هذا الأسبوع، في كبرى الصحف الإسرائيلية، واقع الخوف النفسي الذي يفرضه الإعلام الحربي للحزب على المجتمع الإسرائيلي، والتخبط الذي يدور في دوائر القرار تزامناً مع الأزمة الحكومية.

الردع النفسي
تملك القوات البرية الإسرائيلية، حسب صحيفة "هآرتس"، القدرة على هزيمة حزب الله، لكن الحزب شن حرباً نفسية، كانت فعالة لدرجة أفقدت جنود الجيش الإسرائيلي إيمانهم بقدراتهم. فقد سمح استخدام الحزب الماهر للدعاية ببقائه كمجموعة صغيرة نسبياً تخوض الحرب بفعالية. ولقد تعلمت المنظمة أن تضخم تهديداتها بمهارة، بطريقة تجعل تلك التهديدات "إنجازات" عسكرية في حد ذاتها.

بهذا المعنى، سيستفيد حزب الله في أي نزاع مستقبلي من تأثير تهديداته الكابوسية - والتي تتجاوز، كما ترى "هآرتس"، قدراته الحالية - مثل فتح الجليل، أو إمطار إسرائيل بالصواريخ الدقيقة، أو ضرب حاويات الأمونيا بحيفا، ومفاعل ديمونة النووي.. من دون حتى تنفيذ أي منها أو حتى تنفيذها جزئياً.

تخويف المجتمع
تهدف تهديدات الحزب المبالغ فيها، حسب "هآرتس"، إلى منع إسرائيل من استغلال تمدد الحزب المفرط في سوريا، لتوجيه ضربة قاضية له. وبهذه الطريقة، يمكن للحزب بدء نزاع في المستقبل بشروطه الخاصة، في الوقت الذي يختاره، عندما يكون أقوى ويمكنه أخذ زمام المبادرة. إذ أن مصلحة حزب الله الرئيسية تكمن في تخويف المجتمع الإسرائيلي من تكاليف الحرب وعواقبها، من أجل بناء معارضة شعبية لأي تدابير يقدم الجيش الإسرائيلي عليها ضده.

ويلعب الجيش والسياسيون ووسائل الإعلام في إسرائيل دوراً في هذا الخوف، من خلال ترداد تهديدات الحزب بلا هوادة. حتى أن الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، تكلم عن الحرب النفسية التي يشنها حزبه واصفاً ما تفعله إسرائيل "بالخطأ الفادح"، حين أنشأت إسرائيل غرفة صدى لخطاب حزب الله الذي، كما قال نصر الله، "يفعل بالنيابة عنا كل عملنا من أجلنا".

فترة احتلال الجنوب
يستغل حزب الله الخوف الإسرائيلي من تكرار الخسائر التي تكبدها من أجل البقاء في حرب الاستنزاف التي اندلعت بين عامي 1985 و2000 في جنوب لبنان. خلال تلك السنوات، قتلت مجموعاته عدداً صغيراً نسبياً من الجنود الإسرائيليين، 235 قتيلًا في 6058 عملية. ومع ذلك، فقد ضاعف الحزب من تأثيرها من خلال بث مقاطع فيديو عن هجماته، والتي أعادت وسائل الإعلام الإسرائيلية تداولها.

أقنع حزب الله المجتمع الإسرائيلي، حسب "هآرتس"، أن جنوب لبنان هو مقبرة الجيش الإسرائيلي، مع عدد هائل من الضحايا. وهذا بدوره منع الجيش الإسرائيلي من اتخاذ الخطوات الضرورية، وإن كانت مكلفة، لاقتلاع مجموعاته المسلحة. وبذلك فإن الخوف المقيِّد من الخسائر، وليس قدرات الحزب القتالية الفائقة، كانت أهم العوامل التي أدت إلى هزيمة إسرائيل في نزاع جنوب لبنان، والتي ردعتها عن إجراء غزو بري واسع النطاق في حرب 2006.

الحرب المقبلة
من المرجح أن يخطط الحزب لتوغل محدود في الجليل. وأي شيء غير ذلك يتجاوز قدراته، كما أنه لن يحتاج إلا إلى الاستيلاء على عدد من المواقع العسكرية على الحدود الإسرائيلية أو البلدات الصغيرة، واختطاف أو قتل الرهائن، ونشر فيديو عن علمه المزروع على الأراضي الإسرائيلية. سيشعر الجنود الإسرائيليون حينها بالإحباط، وأن جهودهم الحربية غير مجدية لحماية المدنيين الإسرائيليين. وسوف يدعون حكومتهم إلى إنهاء الحرب. وستبقى ذكرى هذه الهجمات بمثابة رادع ضد أي نزاع مستقبلي مع حزب الله "غير المهزوم".

بناء الجدار
من جهتها، تطرقت صحيفة "إسرائيل هيوم"، إلى بناء الجدار الحدودي بين إسرائيل ولبنان، واعتبرت أن شعور الدولة العبرية بضعف الحزب، دفعها لتسريع العمل على الجدار الجديد الذي هو قيد الإنشاء على الحدود اللبنانية، بما في ذلك المناطق التي توجد فيها خلافات حدودية مع لبنان. وبعد أن تم تعليق البناء سابقاً، الذي يتضمن الجدران والحواجز الأخرى، التي تهدف إلى منع الحزب من شن هجمات في المستقبل ضد إسرائيل، تشعر تل أبيب الآن بالثقة الكافية لإكمالها من دون خوف من الانتقام من الجماعة اللبنانية.

تُرجع "إسرائيل هيوم" السبب في هذه الخطوة الإسرائيلية إلى قضية اكتشاف الأنفاق، التي ما زالت تتفاعل في إسرائيل، وإلى خطاب نصرالله الأخير، الذي عكس، حسب الرؤية الإسرائيلية، المحنة الاقتصادية والسياسية للحزب، وأدخل الجماعة في مواجهة مشكلة أعمق مع واشنطن.

التخبط في جهاز الاستخبارات
وعن التخبط الحاصل في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، أشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إلى بيان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية اللواء تامير هيمان، حول حزب الله، الذي يعكس حجم الغطرسة والأزمة الكبرى التي تهز فرع الاستخبارات حالياً، والتي يجب على قيادة الجيش الإسرائيلي التعامل مع إعادة تأهيلها.

منتقداً خطاب نصرالله، قال هيمان "لا نحتاج أمين عام حزب الله ليخبرنا عن مشروعه الصاروخي الدقيق. نحن نعرف أفضل مما يعرف". ومع هذا التعليق، وجد رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية نفسه متورطاً في إحدى ألعاب نصر الله. فلسنوات عديدة تمكنت المنظمة، حسب "يديعوت أحرونوت"، من حفر الأنفاق على طول الحدود الشمالية لإسرائيل. كان أحدها استراتيجياً بشكل خاص، منحوت في الصخور إلى عمق 80 متراً وطول 700 متر، وصولاً إلى ضواحي مستوطنة "موشاف زاريت" في الجليل الغربي.

وبالتالي فإن التصور الإسرائيلي الإستخباراتي للأنفاق، ينهار تماماً بالنظر إلى أن كل عضو في الجيش الإسرائيلي زعم كل هذه السنوات أن حزب الله لم يحفر أنفاقاً، لأنه على عكس حماس، كان يحتاج فقط لعبور السياج. إلى جانب الحجج الخاطئة التي كانت تتحدث عن صعوبة وتعقيد الحفر في الصخر.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024