مآثر قادة لبنان: المزيد من المآسي والهزل

نادر فوز

الأحد 2020/11/15
لا يمكن فصل الموقف الأخير الصادر عن وزير الداخلية والبلديات، محمد فهمي، عن السياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي والانغماس الكامل في المأساة والفشل. قال الوزير، قبل يومين، في معرض ردّه على إقفال المطاعم وخدمة التوصيل إلى المنازل إنه "خلّي النساء يطبخوا شوي". أضاف إلى العبارة ابتسامةً صفراء. أراد لتلك الابتسامة أن تكون عبارة وأن تضعه في موقف خفيف الظلّ، إلا أنها لم تضف إلى موقفه إلا تأكيد الاستخفاف بالناس وظروفهم، وبالنساء وأدوارهم.

الفحولة.. والتنميط المجهول
سبق لمحمد فهمي أنّ عبّر في إطلالة سابقة على عدم موافقته على وصول امرأة لرئاسة الحكومة. قبل أيام، أطلّ في مقابلة متلفزة وقال إنّه "في ظرف لبناني مماثل، يجب أن يكون رئيس الحكومة غير لائق.. المرأة لائقة، ناعمة وتستحي، الله خلقها هكذا". ولم يفهم فهمي على مقدّم البرنامج حين قال له إنّ موقفه فيه الكثير من "التنميط"، فلا داعي لاستكمال النقاش. وكان ينقصه استخدام عبارات أكثر "فضاحة" للتعبير عن قوّة رئيس الحكومة المفترض، وتحديداً تلك التي تشير إلى الذكورة ولو أنها لا تثبّت الفحولة. حتى أنه في تجربة الحكومة الحالية، يمكن التساؤل عن هورمون التستستيرون، السياسي، الموجود فيها. تحديداً في ظلّ كميّات صباغ الشعر، وادّعاء الإنجازات الوهمية والعجز عن اتّخاذ القرارات.

مآثر المسؤولين
حتى أنّ الجمهور لم ينس مأثرة فهمي قبل أشهر، حين أشار مفتخراً إلى حماية الرئيس ميشال عون له يوم كان قائداً للجيش عام 1981 بعد أن قتل اثنين. "قتلت اثنين، فاستدعاني الرئيس وقال لي ليك يا محمد، طول ما فيي نفس ما حدا بدقّك بشوكة". وليس فهمي وحيداً في هذا السلوك. فسجّل المسؤولين اللبنانيين، في العام الأخير، يكشف عن سلسلة من مواقف الاستخفاف وقلّة المسؤولية. من هذه المآثر، ردّ وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال، راوول نعمة، على أسعار السلع والمواد الغذائية داعياً اللبنانيين إلى "التبضّع من السوبرماركت الرخيصة"، بدل العمل على مراقبة الأسعار وضبطها. وكذلك فعل النائب ياسين جابر حين سُئل عن دعم القروض السكينة فقال "ما يشتروا، يقعدوا بالإيجار". حتى رئيس الجمهورية، ميشال عون، قال في مقابلة متلفزة له قبل عام للمحتجّين في مختلف المناطق اللبنانية "إذا ما عندهم أوادم في هذه الدولة يروحوا يهاجروا".

المأساة والمهزلة
توضح كل تلك الحالات أنّ الاستخفاف، وقلّة الإدراك واللامسؤولية، سِمة جامعة لدى مكوّنات السلطة اللبنانية ومنظومتها. وفي تشبيه هذه المواقف لمأثرة الملكة ماري أنطوانيت، استخفاف أيضاً. "إن لم يجدوا الخبز، فليأكلوا البسكويت". كان في كلام الملكة مأساة، وفي كلام المسؤولين اللبنانيين هزل. يكرّرون مهازلهم، فيعمّقون المأساة المعاشة. ومأساة اللبنانيين نابعة من مسؤولين في منظومة حاكمة منذ الأبد. تركيبة تنتج المآسي، ثم المهازل. ووسط المهازل، ينتجون الانهيار والموت. والإفلاس الحاصل في المال والاقتصاد والسياسة وفي اجتراح الحلول، يغذّي الإسفاف العام ويعمّمه في الطريق إلى الانهيار الشامل والعودة إلى زمن الغاب. وفي الغاب اللبناني، مناصرون لأحزاب السلاح يستقوون على قوى الأمن اللبناني ويفتحون مقاهيهم ومطاعمهم رغم إجراءات الإقفال العام. آخرون يضرمون النار في خط البترول شمالاً، ومواطنون يتناقلون فيديوهات لسير آليات شحن قالوا إنها تهرّب البضائع إلى سوريا أيام حظر التجوّل. 

بعد 100 عام على التأسيس و50 عاماً على انطلاق الحروب الأهلية، استنزف المسؤولون اللبنانيون، قيادات وأحزاب وطوائف، أرصدتهم السياسية المتنوّعة في الحرب والسلم وتوظيف المحاصصات والنهب المنظّم. أما الناس، فقد استنزفوا أرصدتهم البنكية ومصالحهم ووظائفهم وصحّتهم وطموحاتهم وأحلامهم. فرغ البلد. أفلس البلد بإفلاس طبقته السياسية، وبإفلاس شعبه. ولم يبق فيه إلا تكرار المآسي والمزيد من الهزل.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024