دوائر الشمال تحبس أنفاسها: المال والفراغ السنّي والصراع المسيحي

جنى الدهيبي

السبت 2022/05/14

بدأ العد العكسي للانتخابات التي تفصلنا عنها أقل من 24 ساعة لفتح صناديق الاقتراع صباح الأحد 15 أيار 2022. وهذا الاستحقاق الذي واجه الكثير من التشكيك لجهة إمكانية إنجازه، أصبح أمرًا واقعًا، بانتظار ما سيخبئه من مفاجآت في نتائجه.

وترصد "المدن" أجواء الخريطة الأخيرة للمعركة الانتخابية في دوائر الشمال الثلاث، التي يتكثف فيها صراعان: الأول، مصير الصوت السنّي في الدائرتين الأولى والثانية. والثاني، ما سيؤول إليه صراع القوى المسيحية في الدائرة الثالثة، التي ترسم ملامح المعركة على انتخابات رئاسة الجمهورية. هذا، في حين يجوب المال الانتخابي في الدوائر الثلاث بصورة غير مسبوقة. وتتحدث بعض التقديرات أن تتصاعد وتيرته في فترة ما بعد ظهر غد، خصوصًا في ظل خشية معظم القوى المسيحية والسنّية والعلوية من تداعيات ضعف المشاركة، وطبيعة المعركة التي دخلت إليها قوى جديدة منبثقة عن المجتمع المدني.  

الشمال الأولى: "المهرّبون" وقدامى المستقبل  
تتنافس في عكار 8 لوائح، وتتمحور المعركة بين 3 لوائح سياسية: الأولى هي "الاعتدال الوطني" وتضم قدامى المستقبل بائتلاف جمع النواب وليد البعريني وهادي حبيش ومحمد سليمان (من وادي خالد). والثانية هي "عكار أولًا" مدعومة من التيار العوني ويرأسها المرشح محمد يحيى (من وادي خالد). والثالثة هي "عكار" مدعومة من حزب القوات اللبنانية. فيما لائحة "الوفاء لعكار" المدعومة من تيار العزم برئاسة نجيب ميقاتي، تتقدم بخطوات بطيئة جداً، مع منسقها هيثم عزالدين، خصوصًا في ظل الحديث عن تراجع ميقاتي عن دعم لوائحه في طرابلس وعكار، لأسباب مالية وسياسية؛ مقابل 4 لوائح أخرى منبثقة عن المجتمع المدني.  

حصة دائرة عكار هي 7 مقاعد برلمانية. 3 مقاعد للسنّة، مقعدان للروم الأورثوذوكس، مقعد ماروني ومقعد علوي. وترجح التقديرات أن يتراوح الحاصل الانتخابي في عكار بين 17 و18 ألف صوت، علماً أن ما لا يقل عن 100 ألف ناخب في المحافظة قد يشاركون في عملية الاقتراع.  

ويتقدم المال الانتخابي في عكار على أي خطاب سياسي، إضافة إلى بروز العنصر السوري في القرى الحدودية، والتي ينشط فيها السياسيون والنافذون وتجار خطوط التهريب غير الشرعية وأصحاب المصالح بالداخل السوري ومع نظامه.  

ويتصاعد إغداق كبير بالمال الانتخابي اليوم السبت في عكار، وهدفه شراء أصوات الناخبين. ومعظم القوى السياسية الرئيسية، تسعى لاستمالة الناخبين السنة، وتحديدًا أولئك الذين كانوا محسوبين على تيار المستقبل. إذا بدأ يرتفع ثمن الأصوات إلى ما هو أكثر من مليون ليرة على الصوت الواحد، وفق معطيات "المدن".  

الشمال الثانية: الصوت السني والقرار السوري  
خلافًا لما كان متوقعًا، ظهرت الحماسة نسبيًا في طرابلس والمنية والضنية، قبيل ساعات من فتح صناديق الاقتراع، إذ رصدت "المدن" انتشار يافطات المرشحين بكثافة، وتصاعد حركتهم الميدانية التي تخفي في جيوبها الكثير من الوعود والمال الانتخابي. كما يواصل بعض المرشحين تبليغ الناخبين بضرورة التصويت لهم في رسائل هاتفية نصية.  

ووسط هذا المشهد، يبقى الغائب الحاضر هو تيار المستقبل، الذي انسحب رسميًا من المعركة، لكن كوادره الشعبية ومفاتيح الانتخابية تنشط على نطاق واسع للتأثير بالانتخابات ونتائجها، على مستويين: بما تقتضيه المصالح الشخصية بدعم مرشحين دون سواهم، وبما يصب بمصلحة التيار السياسية لجهة دعم لوائح وضرب أخرى.  

أيضاً، يتقدم المال الانتخابي بكل أشكاله المادية والعينية في طرابلس على أي عنوان سياسي آخر لدى معظم القوى التقليدية وبعض الناشئة حديثًا.  

وبدا ملحوظًا، حسب معلوماتنا، أن المستقبليين في طرابلس ينقسمون إلى 3 فئات: شريحة ضيقة ومؤثرة تخوض معركة المرشح عمر حرفوش بمنطق استثماري بحت مقابل مبالغ مالية ضخمة. شريحة ثانية وواسعة تدعم لائحة النائب السابق مصطفى علوش وستعطيه نسبة عالية من أصواتها التفضيلية. وشريحة ثالثة تمكن كريم محمد كبارة من جذبها هي من المستقلبيين ومناصري أبيه مقابل وعود أو خدمات. وهو المرشح على لائحة "للناس" المتروكة بلا أي دعم من ميقاتي، وهو ما تسبب بإحراج كبير لمرشحيها أمام الناخبين.  

وتتنافس في دائرة الشمال الثانية 11 لائحة على 11 مقعدًا موزعين كالآتي: 8 مقاعد عن طرابلس (5 مقاعد سنية، مقعد علوي، مقعد ماروني ومقعدان للروم أرثوذكس)، ومقعد عن المنية للطائفة السنية، ومقعدان للسنة في الضنية.  

التدخل السوري
غير أن المعركة الفعلية، وهو ما تجلى أيضًا قبيل ساعات من فتح صناديق الاقتراع، تدور بين 4 لوائح سياسية هي: لائحة "الإرادة الشعبية" التي تضم تحالف النائبين فيصل كرامي وجهاد الصمد وتيار المردة وجمعية المشاريع الإسلامية، لائحة "إنقاذ وطن" تضم تحالف اللواء أشرف ريفي وحزب القوات اللبنانية، ولائحة "لبنان لنا" تضم تحالف النائب السابق مصطفى علوش والحالي سامي فتفت، ومدعومة من رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة. ولائحة "للناس" المتعثرة التي تضم تحالف كريم محمد كبارة (الأوفر حظاً في اللائحة) وتيار العزم.  

أما الجديد في دائرة الشمال الثانية، وحسب معلومات خاصة لـ"المدن"، فقد قرر الحزب العربي الديمقراطي في جبل محسن منح الصوت التفضيلي من قبل مؤيديه، إلى مرشح تيار المردة رفلي دياب على لائحة فيصل كرامي، إضافة إلى دعم كرامي نفسه، وذلك بإيعاز سوري ومن حزب الله أيضًا. كذلك قرر دعم المرشح السني محمد يحيى على لائحة التيار الوطني الحر في عكار، وهو ما سبق أن أشارت إليه "المدن" في تقارير سابقة، حول الدور السوري بكل من وادي خالد وجبل محسن.  

وهذا الأمر مرده أن كرامي يسعى لتوفير أربعة حواصل للائحته، أما في حال قرروا دعم المرشح العلوي على لائحته، أحمد طرابلسي، فيصبح بحاجة إلى نحو 5 حواصل لإنجاحه. ومنعًا لعدم تشتت الصوت العلوي، تميل التوجهات إلى صب الأصوات في طربلس على كل من كرامي ودياب.  

توازيًا، تتقدم بخطى ضبابية وبطيئة بعض لوائح المجتمع المدني بالمنافسة على أحد المقاعد في هذه الدائرة، وفي طليعتها لوائح "انتفض للسيادة للعدالة" برئاسة رامي فنج، "التغيير الحقيقي" وتضم تحالف إيهاب مطر والجماعة الاسلامية، "الجمهورية الثالثة" برئاسة عمر حرفوش.  

الشمال الثالثة: معركة باسيل  
تضم الشمال الثالثة أقضية بشري وزغرتا والكورة والبترون، وتتنافس فيها 7 لوائح على 10 مقاعد برلمانية موزعة كالآتي:  3 مقاعد للطائفة المارونية عن قضاء زغرتا، ومقعدان مارونيان عن بشري، و3 مقاعد للروم الأرثوذكس عن الكورة، ومقعدان مارونيان للبترون.  

وتتجه الأنظار نحو هذه الدائرة التي تعيش السبت هدوءًا حذرًا، لكن من المتوقع أن تكون من أكثر الدوائر الشاهدة على معارك سياسية طاحنة، إذ تتنافس فيها كل القوى المسيحية الرئيسية وفي طليعتهم زعيم التيار الوطني الحر جبران باسيل، حزب القوات اللبنانية الذي يرشح عن قضاء بشري النائبة ستريدا جعجع، تيار المردة وعلى رأسه طوني سليمان فرنجية، حزب الكتائب داعمًا تحالف ميشال معوض ومجد حرب.  

وتدور المنافسة ضمن اللوائح الأربع الآتية: لائحة "نبض الجمهورية القوية" التي تترأسها النائبة ستريدا جعجع، لائحة "رح نبقى هون" التي يترأسها جبران باسيل، ويتحالف فيها مع جناح للحزب السوري القومي عبر المرشح وليد العازار، لائحة "شمال المواجهة" التي تضم تحالف مجد بطرس حرب وميشال معوض وحزب الكتائب اللبنانية، ولائحة "وحدة الشمال" التي تضم تحالف "تيار المردة" والحزب السوري القومي الاجتماعي بجناح سليم سعادة.  

بينما تتقدم لائحة "شمالنا" بين 3 لوائح للمجتمع المدني، وتسعى للخرق ولو بمقعد واحد. ومن المرجح إن تنجح بذلك في الكورة.  

وتتحدث بعض المعطيات عن قلق يسيطر على البترون، التي يخوض فيها باسيل معركة وجوده السياسي، ضد ما يصفه دائمًا بـ"حرب الإلغاء". ويدرك باسيل كما مختلف منافسيه وخصومه، أن معركة 2022 تختلف جذريًا عن انتخابات 2018.  

من جهة، يخسر باسيل هذه المرة دعم صديقه السابق زعيم تيار المستقبل سعد الحريري، حين وفر له من الكورة تحديدًا ما لا يقل عن 1500 صوت سني. ومن جهة أخرى، طرأت تحولات كثيرة على المشهد المسيحي في هذه الدائرة. إذ فضّ معوض تحالفه مع باسيل، وفضّت القوات تحالفها مع الكتائب التي أصبحت داعمة لمعوض وحرب، وانفصل حرب عن تيار المردة، وانقسم الحزب القومي السوري على نفسه، وتاليًا ستتشتت أصوات ناخبيه، بينما برز لأول مرة صوت سياسي ومدني معارض في هذه الدائرة، التي تخبئ أقلامها وصناديقها الكثير من المفاجآت. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024