انفجار المرفأ: التحقيق من عطلة قسرية إلى إجازة صحّية

المدن - لبنان

الثلاثاء 2021/01/19
خرج التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت من العطلة القسرية، التي فرضتها مهلة دراسة الطلب المقدّم إلى محكمة التمييز لوقف السير بالتحقيقات، إضافة إلى عدم البتّ إلى الآن بطلب الارتياب المشروع المقدّم من النائبين، الوزيرين السابقين على حسن خليل وغازي زعيتر، لنقل الدعوى من يد صلاحية المحقق العدلي القاضي صوّان. فالبتّ بطلب الوزيرين السابقين سيأخذ وقتاً قياسياً، إذ أنّ هيئة المحكمة لم تنته إلى اليوم من طلبات التبليغ التي تقارب الـ150 طلباً للمعنيين بالدعوى من مدّعى عليهم ومدّعين. ولو أن محكمة التمييز أصدرت قرارها قبل أسبوع وبات بإمكان صوّان استكمال تحقيقاته، تؤكد مصادر مواكبة للتحقيق أنّ الإقفال التام ومنع التجوّل وسائر الإجراءات المتّخذة لمواجهة وباء كورونا، والحدّ من انتشاره، تحول دون عمل صوّان. فليس بإمكان الأخير توجيه أي دعوى للاستجواب أو تدوين الإفادات، فيكون فيروس كورونا من أبسط الذرائع التي يمكن التمسّك بها للامتناع عن الحضور الجلسات.

دهاليز التحقيق
وحسب الأجواء الصادرة عن مسار التحقيق، بات واضحاً بالنسبة للقاضي صوّان أنّ في جريمة 4 آب مقصرّون ومتورّطون من باب التقصير. وهم من قطاعات ومستويات وظيفية متعدّدة. إلا أنّ الأهم في التحقيق، والذي لا يزال يقف عائقاً جدياً وفعلياً أمامه هو تحديد الجهة الفعلية التي أحضرت نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت، ودوافعها. وهنا يدخل التحقيق في دهاليز السياسة وانقساماتها الداخلية والإقليمية والدولية. عدا الحملة السياسية والطائفية التي كادت تطيح بالتحقيق الذي يستمرّ به القاضي فادي صوّان، لحماية رموز وشخصيات من السلطة السياسية وطبقتها، يبدو أنّ المستجدات الأخيرة التي تمّ تناولها في الإعلام مؤخراً تزيد من تعقيدات القضية.

تعاون دولي صعب
الكشف عن ضلوع رجال أعمال سوريين مقرّبين من نظام الأسد في سوريا، في عملية استقدام النيترات إلى بيروت، من شأنه أخذ الملف إلى آفاق أوسع وأعمق من تلك التي وصل إليها صوّان إلى اليوم. والواقع يقول إنّ التدقيق في هذه المستجدات يتطلّب تعاوناً مع أجهزة أمنية محلية وعالمية، وهو أمر بالغ الصعوبة. حتى أنّ الخبراء الفرنسيين الذي حضروا وشاركوا في التحقيق الميداني، لم يسلّموا الدولة اللبنانية تقريرهم بعد أكثر من 5 أشهر على انتهائهم من أعمالهم الميدانية. فالحديث عن تعاون دولي، كما تقول التجربة إلى اليوم، بعيد عن التطبيق والعملانية.

عمل حكومات
وفي ما يخص النشرات الحمراء التي صدرت مؤخراً عن الإنتربول بحق 3 أشخاص ضالعين في وصول شحنة نيترات الأمونيوم إلى بيروت (وهم مالك السفينة روسوس وقبطانها وتاجر برتغالي)، وعلى الرغم من إيجابيتها، إلا أنها تعقّد التحقيق أكثر. فمن يطلّع على ملفات تجارية وسمسرة مماثلة، يدرك أنّ أعمال ممثالة عادة ما يتورّط فيها رجال دولة وأجهزة أمنية وحكومات، شرقاً وغرباً. وهو ما يسهّل عملية التغطية عليها. وفي ملف دسم كتفجير مرفأ بيروت، لا يمكن استبعاد احتمال تهريب متّهمين أو مدّعى عليهم في القضية، خصوصاً إن كانت إجراءات الإنتربول تتوقّف عند حدّ إصدار النشرات الحمراء، التي هي ليست مذكرات توقيف ولا تعبّر عن إدانة قضائية.

التحقيق بجريمة 4 آب، معقد داخلياً وخارجياً، لكن بالنسبة للقاضي صوّان فمن الواضح أنه مصمّم على استكمال التحقيق والقيام باللازم فيه. هذا ما يؤكده إصراره على استدعاء رئيس حكومة ووزراء سابقين، وهذا ما تشير إليه الأجواء المحيطة به. علّ في إصراره صياغة لتجربة قضائية جديدة وأولى من نوعها في لبنان، في جرائم قتل مماثلة. إذ اعتاد اللبنانيون على عبارة "العترة على يلي بيروح"، في مجازر واغتيالات سابقة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024