المقاومة والتحرير: نظرة مختلفة

أحمد جابر

الإثنين 2020/05/25
25 أيار عام ألفين، تاريخ لبناني رسمي وشعبي. الاحتفاء بهذا التاريخ احتفالياً، له كل مبرراته الوطنية، فخروج القوات الاسرائيلية المحتلة من أرض لبنان المحتلة، هو يوم "استقلال" آخر للبنانيين، وله موقعه الخاص ضمن مسيرة الاستقلالية الكيانية العامة. هذه النظرة إلى موضوع مقاومة الاحتلال ودحره، تظل قائمة بذاتها كمعطى وطني عام، لا تنال من قيمته المادية والمعنوية والرمزية، أحوال قوى التحرير التي تنتقل في سياساتها إلى ما يصيب من المهمة الوطنية العظيمة مقتلاً سياسياً، ويجعل من الصراع على قرار البلد المحرر، مقتلة بين أطراف المعركة المشتركة، وبين أبناء الطرف السياسي الواحد. هذا النمط من الصراع البيني، عاشت فصوله بلدان عربية، وعاش ويعيش فصوله لبنان. المشترك العربي اللبناني في الصراع، هو افتراق "الما بعد"، والخاص بكل طرف، هو عدم تطابق نسخ السيطرة، وهذا أمر معلوم ومفهوم، تبعاً لاختلاف البنى والظروف، بين دولة عربية وأخرى.

المقاومة أم سلاحها
في النسخة اللبنانية الفريدة من المقاومة، جرى الدمج بين وجود المقاومة وسلاحها، وتم الربط بينهما مصيرياً. لذلك لم يكن كافياً إعلان شطر من اللبنانيين أن الأرض قد تحررت، وأن المهمة قد أنجزت. وعليه، فقد بات ضرورياً القول إن أمر وسائل المهمة صار بنداً مطروحاً على بساط البحث.. لقد كان لشطر آخر من اللبنانيين رأي مغاير أدلى به حزب الله بوضوح عار، وتقدمت به حركة أمل بوضوح مزركش، وبصوت لا يحتمل الالتباس، قال الطرفان: الموضوع ليس موضوع سلاح وتقنيات عسكرية، بل هو موضوع كل مصالح الشيعية السياسية في نسختها الجديدة، وموضوع ضمانات هذه المصالح، شعبياً ومؤسساتياً. فمن أراد نقاش أدوات المقاومة عليه مناقشة نظرتها الجديدة إلى أحوال حاضنتها الأهلية. بناءً عليه، وحتى أمد لبناني، معلوم أو غير معلوم، يظل السلاح مركوناً إلى جانب طاولات الحوار، وفي متناول أيدي المحاور "الشيعي" الذي ينظر إلى سلاحه كضمانة يوليها الثقة التي لا يمنحها للآخرين.

نظرة الشيعية هذه، تفرض على من يريد الفصل بين المقاومة، كحالة أهلية، وبين وسائل ضماناتها، أي سلاحها، أن يذهب إلى حديث مزدوج، شقه الأول يقوم على عنوان: نظرة ثالثة إلى الكتلة الشيعية ومصالحها وضماناتها، نظرة لا تردد بيانات الثنائية وتفسيراتها، أما الشق الثاني فيقوم على نظرة أشمل إلى مسألة الصراع المستمر مع اسرائيل، وإلى الكيفية التي يدار بها هذا الصراع وطنياً، بهدف حماية المصالح اللبنانية كلها، وعلى حساب كل الفئويات الأهلية، الطائفية والمذهبية.

عناوين النقاش المختلف موجودة، ولا تدخل في باب الأحجيات، وجملة من هذه العناوين عرفتها السياسة اللبنانية منذ عقود، وما هو جديد منها بات معلوماً بالصوت والصورة، وذائع الصيت داخل الغرف المغلقة، وخارج الجدران.

في سياق هكذا نقاش حواري، يمكن انتقاء عناوين لمسائل عديدة، تتجاوز مطلبية نزع سلاح حزب الله، ولا تقر بشعارية خطاب الحزب عن مقاومته، ولا تتفق مع إعلانية حركة أمل، التي تغلف جوهر رغبتها المادية، بقماشة من المغالاة البيانية.

من النقاش
يكتسب موضوع الحوار جدواه، عندما يدور النقاش فوق أرض المواضيع وليس خارجها. من ذلك:

1-  طرح عنوان المقاومة من مدخل الصراع العربي الإسرائيلي، وحصة لبنان من هذا الصراع، ودوره فيه. إذن، المدخل لا علاقة له بفئة لبنانية بعينها، بل هو شأن كل اللبنانيين.

2-  سؤال هل مازال الخطر الاسرائيلي على لبنان مسألة واقعية حقيقية أم لا؟ الجواب اللبناني العام هو: نعم. هذا ما يعلنه يومياً الساسة من مواقعهم المختلفة. إذن، هذه نقطة جامعة تسقط تخوين المخالف في السياسة، وتسقط التنابذ بالألقاب، تنابذ صار "جوهر" السياسة الحالية.

من سؤال الخطر العمومي، تتفرع أسئلة الخطر التفصيلية. على سبيل المثال وبالجملة: هل هناك خطر اسرائيلي في مجالات الاقتصاد، والمالية، والمصارف، والزراعة، والصناعة، واللحمة المجتمعية؟ في العادة، يأتي الجواب مقراً بهذه المخاطر. هذا الإقرار يؤسس للسؤال الحساس ذي الطبيعة الأمنية. أي هل هناك خطر عسكري أمني على لبنان؟ لن يجيب لبناني سلباً، بل سيجيب إيجاباً، ليتابع صوب السؤال المتمم: لكن كيف نحمي لبنان؟ هذا سؤال مشروع، والجواب ليس من اختصاص المقاومة فقط، بل هو شأن أساسي من شؤون اللبنانيين.

إذا أراد المعنيون البدء من توافق سابق، يمكنهم العودة إلى المطالبة بتنفيذ الاتفاق حول الخطة الدفاعية، والعودة إلى بنود اتفاق بعبدا، والرجوع إلى بند النأي بالنفس في كل البيانات الوزارية. وهذا له معنى واحد: مرجعية الدولة في القيام بمسؤولياتها الوطنية، دفاعاً عن الجمهورية اللبنانية وعن مصالح أبنائها. قد يقول قائل، لكن أي دولة. الجواب وحتى إشعار آخر، هذه الدولة التي يتمثل في مؤسسات حكمها الجميع، والتي يجب أن يتحمل المسؤولية فيها الجميع، من صيانة سلمها الداخلي، وأمنها الاجتماعي، وسلامتها السيادية، بمشاركة الجميع، ومن فوق رؤوس الجميع.

من واقع الحال
إذا كان المشار إليه يخاطب عقلنة النقاش، ويدعو إلى أخذ الحديث إلى مواضيعه، وهذا أمر صحيح. فالصحيح أيضاً، هو أن واقع التوليفة السياسية الحاكمة والمتحكمة، يشكل عائقاً أساسياً أمام الانفتاح على كل حكمة سياسية أو مقاربة عقلانية.

لذلك، تصبح المقاربة المختلفة إلى المقاومة والتحرير وسائر المواضيع، مهمة من مهمات الشارع الاعتراضي، هذا الذي يجب أن لا ينضم إلى احتفالية الشعار، ولا إلى بلاغة اللغة، ولا إلى الأداء الشتائمي.

نظرة أخرى، أي معارضة جديدة، تفرض على نظام الهدر والجوع والارتهان.. ما أمكن من استجابات تصب في صالح سائر الفئات الشعبية. أي في المصهر الذي يعاد فيه بناء الحصانة المجتمعية والوطنية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024