السعودية تنتظر اللبنانيين.. ابدؤا بالعمل لندعمكم

منير الربيع

الجمعة 2019/07/19

ينشغل لبنان، (عدا ما أثير في موضوع العمالة الفلسطينية، واستقالة الموسوي من مجلس النواب..وخطب نقاش الموازنة) بالسؤال عما بعد زيارة رؤساء الحكومة السابقين إلى المملكة العربية السعودية. تخرج الأسئلة عن منهجيتها، وتنفلت من عقالها، لتصبح أكثر مباشرة، وتفترض إجابات واضحة ومباشرة أيضاً. طبعاً في عالم السياسة، لا شيء يحدث "بكبسة زرّ"، ولا يمكن أن تتغير السياسات في ليلة واحدة وتنقلب رأساً على عقب بين صبح ومساء. لكن للناس حماسة، أو بعضاً من أمل يتلمسونه من أي حراك خارج السائد.

رسم نقطة التحول
لذلك، يتركز الاهتمام حالياً على معرفة إذا ما ستتغيّر الأمور بغتة بعد زيارة رؤساء الحكومة السابقين إلى السعودية، بما يخفف من الشعور باختلال موازين القوى، ومن الغلبة التي يفرضها طرف على طرف آخر. وجمهور الطرف المهزوم  محبط، وينتظر بارقة أمل تأتي من مكان ما، اعتادها دوماً أن تأتيه من السعودية. ومع هذا السؤال الأساسي، هناك أسئلة أخرى متفرعة، منها: هل سيتغير الاداء السياسي في لبنان؟ هل يمكن للقوى التي كانت تجتمع تحت مسمى 14 آذار أن تعود إلى مسمى جديد، وتتحد على موقف من شأنه وقف مسار الانحدار السياسي؟ هل سيكونون على موقف واحد في قضية المجلس العدلي من أحداث الجبل؟

حتى الآن، لا تجد كل هذه الأسئلة أجوبة شافية. وهناك قناعة راسخة لدى بعض الأطراف، أن الدعم لا يمكن أن يأتي، ما لم يتحرّك اللبنانيون ويقدموا مشروعهم ليلقوا الدعم على أساسه. هذه وجهة نظر قوى متعددة مطّلعة على فحوى اللقاء، الذي تصفه مصادر ديبلوماسية أنه قابل ليكون نقطة تحوّل في العلاقات اللبنانية السعودية، يمكن التأسيس عليها، لكن بشرط أن يعمل اللبنانيون على تقديم ما لديهم.

ما يقوله السنيورة 
بالنسبة إلى الرئيس فؤاد السنيورة، الحلّ واضح وموجود، وبقدر ما هو بديهي وسهل، فإن الوصول إليه صعب. يضع السنيورة طبقاً واحداً على طاولة التطورات السياسية. فلم تعد الطاولة تتسع إلى المزيد من الخيارات أو الأصناف، الدواء واحد، فإما أن يتناوله اللبنانيون، أو أن يستمر الترهل. لا يمكن للبنانيين انتظار الترياق من الخارج، إذ "لا يغيّر الله بقوم ما لم يغيروا ما في أنفسهم". يعرف الرجل أن الزيارة شغلت الناس، ووضعت تفسيرات كثيرة لها. ولكنها كانت مجرد فكرة منذ أربعة اشهر، قوامها إجراء جولة عربية، تبدأ من السعودية صاحبة الدور البارز في اتفاق الطائف، الذي يتعرض لمحاولات المساس به وتعديله بطريقة أو بأخرى.

يعتبر السنيورة أن من يتجاوز الدستور قابل لتجاوز الميثاق الوطني. ولذلك لا بد من التشاور مع الأشقاء العرب في هذا الأمر. وكان واضحاً حجم الاهتمام السعودي بالزيارة، خصوصاً أنها أصرت على تظهيرها إعلامياً. وهذا كاف لجهة الرسالة المراد توجيهها. تساؤلات كثيرة طرحت حول عدم لقاء رؤساء الحكومة السابقين ولي العهد محمد بن سلمان. لكن السنيورة يرى أن كل حواريي الأمير كانوا موجودين، وهو كان خارج جدة، وعندما جرى العمل على ترتيب الزيارة، تم طلب الموعد من جلالة الملك.

قوة التوازن وكلام الملك
هدف الزيارة هو التطرق إلى المشكلات التي يواجهها لبنان سياسياً واقتصادياً، وانتهاك مبدأ النأي بالنفس. كانت زيارة تمثّل لبنان وليس طائفة أو فئة معينة، وهذا كان فحوى حديث الرؤساء وحديث الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي شدد على حماية الدولة ومؤسساتها. وجرى البحث حول تنشيط الجهود لاستعادة الدور الذي تلعبه السعودية لحماية لبنان. وهي التي لطالما لعبت أدواراً للحفاظ على التوازن فيه. وحسب السنيورة، فإن لبنان كان يستند في علاقاته العربية على قوتين أساسيتين ترسيان التوازن هما السعودية ومصر. المهم اليوم عودة لبنان إلى قوة التوازن بدلاً من توازن القوى بين الأفرقاء، والتي ستبقى خاضعة لطموحات لدى كل فريق لتحسين شروطه على الآخر.

ومن بين ما جرى بحثه أيضاً، هو أهمية العودة إلى الطائف بالممارسة الصحيحة، وليس بالكلام والممارسة المعاكسة. كما جرى البحث بالوضع الاقتصادي. وهذا يتضمن البحث في تعزيز الدعم المقدم من السعودية إلى العديد من المؤسسات. وقد لمس الرؤساء من الملك، حرصاً شديداً، تجلى في البيان الذي أصدروه، وانتقي نصه من كلام قاله الملك السعودي. صحيح لدى المملكة العديد من الانشغالات الداخلية والخارجية، وهي تهتم بعملية نهوض كاملة في الداخل، ومشاكل العالم العربي وتداعياتها، ولكن كان هناك شعور بأنها لن تبتعد عن المشكلات الموجودة في لبنان، ليس اقتصادياً فقط بل أمنياً عبر تعزيز الدعم للجيش اللبناني، وإعادة تنشيط العلاقات، عبر تفعيل العديد من الاتفاقيات التي ستوقع قريباً.

مجلس حكماء
الأهم بالنسبة إلى الرؤساء الثلاثة، هو دعم رئيس الحكومة سعد الحريري. وما حصل كان بالتنسيق معه وبمعرفته، خصوصاً أن الزيارة تجمع رؤساء الحكومة السابقين، ولا تأتي بهدف المزايدة، بل بهدف تعزيز الوضع اللبناني والدولة اللبنانية، التي تتآكل من قبل الدويلات. ولا بد من المساهمة بعمل يعيد الاعتبار للدولة اللبنانية. وهذا سيتعزز من خلال تأليف مجلس حكماء، يضم رؤساء الحكومة ورؤساء جمهورية سابقين، ووزراء ونواب ومعنيين بالشأن العام، لتصويب بوصلة الدولة ومؤسساتها.

يبدو السنيورة موقناً أن المشكلات أصبحت كبيرة، ولا تعالج بالمراهم ولا بالكلام، ولا بد من الالتزام بالدولة والمحافظة على الدستور واتفاق الطائف. كما أن المشكلات المالية والاقتصادية لا تعالج بالأدوية النقدية أو الهندسات المالية، ولا بضرائب من هنا وهناك على الرغم من أهميتها، وأساسيتها. لا بد من إجراء عملية جراحية ضرورية وسريعة. لكن المشكلة تبقى - وفق السنيورة - أنه لا إرادة حقيقية، واستمرار الخفة بمعالجة هذه الأمور.

عتب على الرئيس
لا ينفي السنيورة أن نتاج المشكلة هو بسبب التخريب الذي تعرض له عقل اللبنانيين، في مقابل وجود فتنة متنقلة، لا تجد من يضع لها حدّاً، بينما رئيس الجمهورية هو الجامع للجميع، وهو الذي يرتفع بأدائه عن الدخول في زواريب وأزقة، وأعطاه الدستور سلاحا نووياً وهو حماية الدستور. لكنهم أساؤوا تفسير الدستور أو فهمه. ولا يمكن لأحد أن يظن نفسه في نظام رئاسي، بسبب سوء التقدير أو الاختلاف على شكل النظام. ومهمّة رئيس الجمهورية حفظ البلاد والعباد، بينما ما يجري هو العكس، إذ أن رئيس الجمهورية يجتاح المؤسسات الدستورية. وهنا لدى السنيورة توصيف لعامل القوة، الذي يرتكز على قوة العقل وليس قوة العضلات. يستخدم عبارة من عالم المال، بوصفه رئيس الجمهورية القوي، its accepted because he’s accepted، ويقصد بذلك أن قوة الرئيس بمدى مقبوليته لدى الجميع، وليس لدى جماعته فقط. وهو ليس موضوعاً مسيحياً بل وطني. وتوصيفه بهذا الشكل (كرمز مسيحي وحسب) هو جزء من تخريب عقول اللبنانيين.

الوعود الخيّرة
ولكن ماذا عن النتائج، وهل يمكن انتظار تطورات في المرحلة المقبلة؟ يعتبر السنيورة أن الوعود خيّرة، إلا أنه حريص على عدم إلهاب التوقعات. وهذا لا يمنع عن المثابرة بالعمل لترجمة النوايا بفعل. والزيارة كانت بدافع الحاجة، خصوصاً أن الكلام كان بمنتهى الصراحة، حول ضرورة الدور الذي ستلعبه المملكة. فكرة السنيورة واضحة، ترتكز على تطبيق الدستور، الذي يحتاج إلى عقّال لتطبيقه، مع تنسيق المؤسسات فيما بينها، بعيداً عن الصراع على الصلاحيات، معتبراً أنه تم الوصول إلى نقطة ليس فيها ترف الانتظار، ولا فيها أي خيارات... باستثناء العودة إلى الثوابت والدستور لمعالجة الخلل الحاصل.

يمكن اختصار نتائج تلك الزيارة، بفحوى أساسية، انه لا يمكن للبنانيين انتظار أي مساعدة من الخارج، ما لم يهمّوا إلى مساعدة أنفسهم. وتلك المساعدة تأتي بناء على ما يقدّمونه من نماذج تؤشر إلى الإستعداد لولوج مسار سياسي جديد، يهدف إلى تحسين التسوية بالحدّ الأدنى، وتحصين طريقة إدارتها، لأن هناك مشكلة قائمة وموجودة، ويجب الاعتراف بها والعمل على معالجتها، وليس الهدف حالياً التراجع عن التسوية، إنما استعادة التوازن. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024