قطع طريق الجنوب: من هنا يبدأ تحرير فلسطين!

نادر فوز

الجمعة 2020/06/26
طغت حركة قطع الطرق على أوتوستراد بيروت- صيدا اليوم الجمعة على مشهد الاحتجاجات والتحركّات، التي شهدتها معظم المناطق اللبنانية. ففي الجيّة، عند مفرق برجا- بعاصير، قطع محتجوّن الأوتوستراد منذ ساعات الصباح، حيث عملوا على وضع شاحنات وسيارات وسط الطريق، احتجاجاً على تردّي الأوضاع الاقتصادية والانهيار المالي. وعملت وحدات من الجيش إلى إعادة فتح الطريق بالقوة، فاستخدمت الهراوات حيناً، والرصاص المطاطي حيناً آخر، والرصاص الحيّ الذي أطلق في الهواء لتفريق الجموع الغاضبة. فأدى المشهد إلى سقوط ما لا يقلّ عن 9 جرحى بين المتظاهرين، تمّت معالجتهم ميدانياً أو في مستشفيات المنطقة. إلا أنّ تحرّك اليوم في الجيّة، عدا القمع الأمني، ووجه بحملة سياسية واسعة عملت على أبلسة المحتجّين. ولم يغب دور جمهور حزب الله، أو المحسوبين عليه على الأقلّ، في إعطاء التحرّكات الشعبية والاحتجاجات طابعاً سياسياً ومذهبياً، في محاولات متكررة للإطاحة بخطاب الاحتجاج على فشل السلطة ومن فيها.

طائرة لحزب الله
قد يكون صادماً ما تناقلته وسائل إعلام محلية عن استعانة حزب الله بطائرة استطلاع من نوع مرصاد بهدف تصوير الطريق الساحلي باتجاه الجنوب، ورصد الشبان الذين يعمدون إلى إقفاله. بغض النظر عن صحة هذه المعلومات أو عدمها، فإنّ ناشطين من برجا وإقليم الخروب، أكدوا لـ"المدن" أنّ "عدداً من الأشخاص التابعين للحزب كانوا موجودين ميدانياً في التحرّك". وبالتالي، لا حاجة فعلية لصور جوية. خصوصاً أنّ المحتجّين لم يغطوا وجوههم أصلاً وليس خجلين بقطعهم الطريق، طالما أنّ مطالبهم محقة. وأكد ناشطون لـ"المدن" أيضاً أنّ سيارات أمنية تابعة للحزب جابت الخط الساحلي للجنوب، التي لم يعمل أحد على قطعها، في حين عملت ماكينات إعلامية من فريق السلطة على تصوير الاحتجاج وقطع الطريق على أنه مذهبي أو طائفي وموجّه ضد بيئة حزب الله. ولو أنه معلوم للجميع أنّ قطع طريق الجنوب في الجية، يعني قطعها على أبناء المنطقة جميعاً باختلاف ألوانهم المذهبية... احتجاجاً على الانهيار والفشل، لا أكثر ولا أقلّ، أسوة بتحركّات المناطق الأخرى.

قمصان سود وتحرير
واستمرّ التحريض على تحرّك برجا، من جمهور حزب الله من جهة، والتيار الوطني الحرّ من جهة أخرى. فانتشرت تغريدة للشيخ صادق النابلسي، المقرّب من الحزب، يقول فيها إنّ "خطوط مواصلات الناس، هي خطوط اتصالات المقاومة! السلم الأهلي قد يحتاج يوماً ما إلى حضور القمصان السود مجدداً!". كما جنح انتقاد قطع الطريق في الجيّة باتجاه اتهام المحتّجين بالعمالة لإسرائيل، بما في ذلك من تحريض إضافي على التحرّك. أما الموقع الإلكتروني التابع للتيار الوطني الحرّ، فنشر خبراً عنوانه الحرفي "الجيش يحرّر الجية من قطّاع الطرق وينقذ المواطنين". بين "تحرير" الجيش للإسفلت، والقمصان السود ومرصاد، وإعادة المطالبة بـ7 أيار جديد، تتوضّح صورة المعركة. كأنّ أزمة الدولار لا تطال جميع اللبنانيين، وشريحة منهم أيضاً تحبّ العيش على التقنين الكهربائي، وأخرى مستعدّة لترك مليارات الدولارات في جيوب الفاسدين.

بات من الواضح أنّ السلطة تمعن بمحاولات الاستفراد بكل منطقة على حدة. فبعد توقيفات طرابلس، وأخرى في قب الياس ومسكة بقاعاً، أتى دور إقليم الخروب مجدداً. والعين على هؤلاء باتت مفتوحةً. تريد السلطة، بأجهزتها وأحزابها وماكيناتها، النيل من جميع معارضيها، فتعمل على قضم المجموعات والناشطين بشكل تدريجي ومتوالٍ. لم توفّر السلطة وأحزابها أي خطاب مذهبي وطائفي، وما فيهما من حقد وكراهية، لاستكمال خنق المحتجّين في مناطقهم. لم توفّر أيضاً أجهزة الأمن لقمع ما تبقى من هذه التحرّكات. لم توفّر استنابة قضائية للتهريب والقصاص. كل هذا يحصل، لكن الجديد دخول "مرصاد" على خط المواجهة.
فيبدو أنّ حدود فلسطين تبدأ من برجا.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024