ردّاحو التبرؤِ من فتيان أمراء الممالك المذهبية والطائفية

محمد أبي سمرا

الأحد 2020/06/07
فجأة تحول ردّاحو بيانات شجب "الفتن الطائفية والمذهبية" ونبذها والتبرؤ منها - بعد ما حدث أمس السبت 6 حزيران في بيروت وصيدا وطرابلس - ملائكة ومتصوفة ومبشرين في محراب الحكمة، كأنهم يعيشون في سويسرا أو موناكو، وليسوا من هذه البلاد المنكوبة.

فجأة نسوا أنهم قضوا زهرات شبابهم في معمعة الحروب الأهلية الطائفية وصناعتها يوماً بيوم، على مقاس أولياء أمرهم وتوقهم إلى التصدر والسلطان على طوائفهم وجماعاتهم، من شمال لبنان إلى جنوبه. وبعضهم سبقهم في ذلك آباؤهم وأعمامهم ومن ورّثوهم المناصب والزعامة السلطان.

ونسو أنهم قبل أيام قليلة سبقت هذا السبت، كانو يسطّرون الملاحم اليومية، يصولون ويجولون في مجلس والوزراء وفي مجلس النواب، ومن على منابر المؤسسات الطائفية والإعلامية، وفي قصور العدل، وإبان حرائق الغابات، وفي الوقاية من وباء كورونا، وفي سَنِّ قوانين العفو عن نزلاء السجون، وفي بناء السدود ومعامل الطاقة الكهربائية، وفي إعادة المغتربين من الخارج، وفي تعيين الموظفين.. نسوا أنهم في هذا كله وسواه الكثير الكثير، وفي كل ما يقولون ويفعلون، كانوا لا يتوقفون عن التذابح ذوداً عن حقوق طوائفهم وجماعاتهم المنزّلة والمقدسة في ألواح، مثل قانون حمورابي.

نسي كل منهم أنه لا يرضى للبنان ودولته تاريخاً، إلا إذا كان على مقاس أهله وطائفته ومنطقته ودسكرته وحروبه وبطولاته، في الشوارع والأودية وعلى الجبال، لرسم حدودها بالدم والدموع والجثث والمقابر.

نسي كل منهم أنه يقيم في إمارة لها مؤسساتها وأتباعها وجندها وأجهزتها ومواليها وحواجزها الغرانيتية التي تسوِّر مقره ومنزله وقصره. وسلاح بعض إماراتهم ظاهر وعلني وإلهي مقدس. وبعضها الآخر سلاحها خفي مخبوء. وبعض ثالث يحسد سواه على قوته المسلحة، ويحلم بمثلها ويتوق إلى امتلاكه. وهناك من يتوق إلى أن تكون مملكته ومواليها الأوفياء، مثل موالي مملكة سواه. وهناك من هو خائف على انهيار مملكته من غدرات الزمان، فيتزلّف إلى سلاطين السلاح لحمايته من أهل ملته وإخوته المنافسين. وهنالك من لا يجد وريثاً ذكراً لمملكته، فيتبنى وريثاً ويربيه على الأحقاد بأشفار عينيه. ومن ليس لديه منصب في إمارة، يشتريه بالمال أو بالدسائس والاستزلام لأمير طائفة مسلحة ليستقوي على أمير طائفته المهيضة الجناح. ومن يعمّر والده في منصب، قد يخاصم أباه ويتمنى له الموت، أو يرثه حيّاً. وهناك من لا طاقة له ولا مزاج ولا شكيمتة ليرث زعامة والده وإمارته، لكنه يرغم على ذلك غصباً عن إرادته... 


هذا كله من الأمور العادية والطبيعية في عرف إمراء الممالك اللبنانية. ولكنه يصير ثالثة الأتافي إذا تقيأت زمر من الفتيان، بعضَ ما تربّت ونشأت وشبت عليه في هذه الممالك، وخصوصاً في مملكتي الثنائي الشيعي الميمون. فيروح أمراؤها وأصحابها وخطباؤها ومشايخها يتبرأون من أولئك الفتيان الضالين الأشرار. كأنهم ليسوا الأبناء الأبرار والأوفياء لتلك الإمارات والممالك.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024