سلطات القيد الطائفي لتكبيل اللبنانيين وإعدامهم

كارول شبلي تويني

السبت 2020/07/25
من يحق له في لبنان مخالفة القانون؟
الجواب البديهي: لا أحد.

إذاً، كيف للسلطات اللبنانية أن تشرح لنا سبب مخالفتها المتواصلة والمريبة للمادة 3 والمادة 13 من قانون 7/12/1951، المتعلق بقيد وثائق الأحوال الشخصية، وإصرارها على ذكر طائفة المواطنين التي لا يوجبها القانون؟ 

أفلا تعلم السلطات أن هذا الإجراء غير القانوني. إثم كبير ترتكبه بحق الوطن والمواطنين المولجة هي حماية حرياتهم وحقوقهم، خصوصاً حديثي الولادة الذين لا أهلية لديهم ولا يمتلكون المقدرة على التمييز بعد؟ 

ألا تعلم السلطات اللبنانية أن التكبيل الطائفي، ما لم يكن بإرادة الأفراد، هو استغلال لهم وتقييد لحريتهم، وأن هذه الممارسة التي تحدد حقوق الناس على أساس أنتماءاتهم الطائفية غير المتساوية أصلاً، تنافي الدستور اللبناني وتخلق تمايزاً خطيراً يمنع المساواة بينهم؟

ألا تعلم هذه السلطات أن المساواة هي الشرط الأساسي لبناء دولة متماسكة، ينتمي أفرادها إليها بحرية بلا قيود، سوى القبول بنظامها واحترامه والالتزام بتطبيقه؟

ألا تعلم أن هذه المساواة هي الأصل الذي تتفرع عنه كل أنواع المساواة الأخرى، كالمساواة أمام قضاء محايد ومستقل يحكم بمبادئ القانون والعدل والإنصاف، وليس بما يمليه الولاء الحزبي والطائفي على القاضي؟ وكيف يصدق الناس إمكان تحقيق استقلالية القضاء واستعادة الأموال المنهوبة بغياب هذه المساواة؟

وماذا عن المساواة في الوظائف العامة المدنية والعسكرية، والتي يجب أن تعتمد الجدارة والكفاءة والمساواة في حق الانتخاب والاقتراع؟

ألا تعلم السلطات أن الدستور اللبناني دستور مدني قائم على علمانية منفتحة، تعترف بحقوق الطوائف وبالأحكام الصادرة عن محاكمها، كما تكفل حرية المعتقد المطلقة في الفقرة (ج) من مقدمة الدستور والمادة 9 منه؟

ألا تعلم السلطة أن من مسؤوليتها ضمان حق المدنيين غير المنتسبين إلى دين، أو غير المصرحين عن طائفتهم، وأبناء طوائف الحق العادي التي لا تملك قوانين أحوال شخصية خاصة بها، للزواج مدنياً في وطنهم وعدم عرقلة تسجيل زيجاتهم التي تتم وفق القوانين المرعية؟ فلماذا تقاعست السلطات عن وضع قانون مدني للأحوال الشخصية؟ وكيف تبرر الترهيب الذي تمارسه المراجع الدينية بحق كل من يتجرأ على الخروج من عباءتها؟ 

فهل يحق للطوائف الدينية الاعتراض على حقوق المواطنين الدستوريّة، وبأي حق؟
ومن يحكم هذه الدولة؟

هل تحكمها السلطات السياسية أم المراجع الدينية؟ أليست هذه الأخيرة خاضعة للقوانين، وتُحَاسب هي أيضاً على تجاوزاتها؟ ولماذا تسكت السلطة السياسية عن هذه التجاوزات؟ أليس لأنها متواطئة معها لبسط نفوذها وهيمنتها وتأمين حصانة طائفية تحميها؟

كيف لسلطات تمارس هذا النهج الطائفي عن سابق تصور وتصميم، أن توقف إعدام شعب بأكمله وتحمي المصلحة العليا للدولة، وهي تعلم أن أي تغيير في سلوكها يهدد وجودها

اللبنانيون مكبلون طائفياً، وهذا التكبيل المفروض علينا خلافاً للدستور ليس بريئاً، بل هو العمود الفقري للصيغة الطائفية التي تمكن السلطة من بسط سيطرتها الكاملة على الناس وشؤونهم. وأخطر ما يفعلعه هذا التكبيل أنه يمنع الاندماج بين أبناء الوطن الواحد، ويعزز فرقتهم، ليصير من الصعب أن يكون شعب لبنان موحد متماسك. والنتيجة هي ما نراه من اهتراء في مؤسسات الدولة وأنهيارها، وتقهقر الناس.

ولو علم اللبنانيون الحقائق التالية المثيرة للاشمئزاز:
أن قوانينهم الانتخابية تنص كلها على أن يرفق القانون بجدول توزع المقاعد النيابية وفق الانتماء الديني، وأن لا قيمة لقرار مجموعة من اللبنانيين توافقت على انتخاب شخص معين، طالما أنه لا ينتسب إلى الطائفة التي خصص لها المقعد النيابي؟!

وأن التقدم لوظيفة عامة يفرض ملء خانة الطائفة في طلبات التوظيف تحت طائلة الغاء الطلب؟!

وأن نتائج الامتحانات والمباريات المتعلقة بالوظائف، قد تُهمِل فائزاً في المرتبة الخامسة بسبب انتمائه الطائفي، وتعين بدلاً منه من هو في المرتبة العاشرة؟! 

وأن التعيينات الأخيرة التي تمت بموجب جدول توزيع طائفي، تثبت أن السلطة لم تتعظ من أنتفاضة اللبنانيين، ولم ترتدع عن سلوكها الطائفي، لأنه الضمانة الوحيدة لبقائها في الحكم؟!

لو علم اللبنانيون هذه الحقائق كلها، سوف يفهمون لماذا تصر السلطات على ذكر المذاهب في وثائق القيد الشخصية. ويدركون الأسباب التي أدت بلبنان إلى هذه المأساة.

ولكن الأهم: هل سيتغاضى اللبنانيون عن هذه الحقائق الطائفية أم أنهم سيعلنون حرباً عليها، لتكون معركة التحرر من طغيان المنظومة الحاكمة وبداية معركة استعادة الدولة؟

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024