سد بسري: مشروع مائي أم مالي انتخابي وسياسي؟

حنان حمدان

الجمعة 2017/02/03

يروج داعمو مشروع انشاء سد بسري، الذي دخل مرحلة استملاك الأراضي، بأنه سيشكل خلاص بيروت الكبرى من أزمة انقطاع المياه، حيث يفترض أن يؤمن المياه لأجزاء واسعة من بيروت على مدار ساعات اليوم. لكن، هناك قلقاً من فشل هذا المشروع، واعتراضات على آلية تقييم الأراضي، بدأت تظهر إلى العلن أخيراً.

قبل أيام، بدأ استدعاء أصحاب الأملاك في منطقة تنفيذ المشروع بواسطة المحكمة في صيدا لتبليغهم نتيجة التقييم الذي وضعته اللجنة لأملاكهم. وقد واجه التقييم امتعاض البعض، إذ أنه لم يأخذ في الاعتبار أن هؤلاء يعتاشون من رزقهم في هذه الأراضي. ويقول نائب رئيس بلدية الميدان مارون الخوري، وهي إحدى القرى التي تملك عقارات ضمن مرج بسري الذي تجاوره قرى عدة بين الشوف وجزين، إن "أملاك الأهالي لا تقدر بثمن كونها تشكل مصدر رزقهم الوحيد. لكن هذا قرار رسمي ولا يمكن مخالفته. أما التقييم فإنه راوح بين 40 و70 ألف ليرة لبنانية للمتر الواحد".

اعتراضات كثيرة جبه بها مشروع السد من خبراء البيئة والجيولوجيين وأهالي بعض القرى المجاورة، علماً أن بلدية الميدان هي الوحيدة التي سجلت اعتراضاً على السد بين البلديات، حتى أنها رفعت شكوى لدى مجلس شورى الدولة قبل فترة، فيما أبدت معظم بلديات الشوف وجبل لبنان موافقتها على المشروع، وفق ما يقول الخوري لـ"المدن".

أما الناشط أسعد ذبيان، وهو أحد أبناء بلدة مزرعة الشوف، فإنه يجد في تنفيذ هذا المشروع، تغييراً جذرياً لطبيعة مرج بسري وثروته الأثرية والطبيعية، حيث توجد أعمدة رومانية وقلعة عمرها مئات السنوات ونهر لا تنضب مياهه، ومحمية طبيعية لعشرات أنواع الطيور والنبات والحيوان. لكن ذبيان يتعاطى بواقعية، كما يقول، مع هذا المشروع. فهو يوافق الحركة البيئية في رفضها بناء السد لأثاره السلبية. لكنه في المقابل، يدعو أهالي المنطقة إلى الإستفادة القصوى من وجود السد في حال نفذ المشروع، كالمطالبة ببناء متحف أثري، فرض شروط بيئية وتحصيل الحصة الأكبر من التوظيف والإدارة والتلزيم لأبناء البلدات المجاورة، وتأمين المياه والكهرباء مجاناً لها وانشاء صندوق لتنفيذ مشاريع تنموية في المنطقة.

لكن الخبير الجيولوجي سمير زعاطيطي يحذر من تنفيذ المشروع في الموقع الذي تم تحديده، لقربه من فالق روم الذي ينشط باستمرار، بحسب ما يؤكد مركز رصد الزلازل في بحنيس. يضاف إلى ذلك، وجود صخور كلسية أسفل الرمال فيها فراغات يصعب بناء سد وزنه أطنان من الباطون المسلح عليها. وهذا كفيل بتسرب المياه، فهو يحتاج إلى قاعدة صلبة لا تحتوي على كسور، ولاسيما أنه يقع على مقربة من كسر روم.

ويسأل زعاطيطي عن سبب تمسك المعنيين بخيار السدود بعيداً من خيارات أخرى أثبتت التجارب أنها أكثر فعالية وأقل كلفة، كالآبار الجوفية. ففي منطقة تعيد مثلاً، يمكن الحصول على المياه الجوفية على ارتفاع 160 متراً، فلماذا اللجوء إلى خيار التخزين السطحي الذي سيفشل حتماً كما فشل في منطقة بريصا، إذ لم يمتلئ السد بالمياه بعد كلفة وصلت إلى 26 مليون دولار، علماً أن معدل المياه الجوفية وصل إلى 3 مليارات متر مكعب متجددة سنوياً في لبنان، فيما وصلت المياه السطحية إلى 1.3 مليار متر مكعب سنوياً. ولأجل ذلك يعد لبنان بلد المياه في الشرق الأوسط.

وقبل أيام قال رئيس حزب التوحيد وئام وهاب في تغريدة عبر تويتر إن ضغوطاً تمارس لتلزيم وتنفيع النائب نعمة طعمة، واستعمال المال في السياسة والانتخابات. فيما يحكى أن مشروع السد يتشارك فيه رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة والنائب وليد جنبلاط، حيث تم مقايضة هذا السد بسد جنة مع التيار الوطني الحر. وقد لاقى السد ترحيباً في المنطقة بسبب نفوذ جنبلاط، ولاسيما أن أكبر الملاكين في المرج هم من آل جنبلاط وآل سعد. وهذا ما يظهر بعض ملامح تمسك المعنيين بخيار السد لتغذية بيروت بكلفة تقارب 800 مليون دولار كما تم التقدير المشروع، وهو قرض من البنك الدولي سيتم سداده من جيوب اللبنانيين خلال السنوات المقبلة، والأسوأ إذا فشل حقاً.

أول 128 مليون دولار
وكانت لجنة المال والموازنة قد أقرت، الخميس 2 شباط، الإتفاقية التي تتعلق بقرض بقيمة 128 مليون دولار للسد، الذي يتوقع انجازه في العام 2024، وهي جزء من كلفة المشروع، يضاف إليه نحو 460 مليون دولار. وقد حصل أعضاء اللجنة على شرح مطول من المعنيين في مجلس الانماء والاعمار عن الكلفة الكاملة للمشروع وقدرة السد على تأمين المياه لبيروت، وفق ما يقول النائب عبدالمجيد صالح لـ"المدن". ويشير صالح إلى وجود دراسات تشجع على تنفيذ السد، خصوصاً أن العقد يتضمن بنداً لمعالجة التداعيات التي قد تنتج عن المشروع. كما أن "لبنان يحتاج إلى مجموعة سدود تحفظ مياهه، ولا بد من تحييد هذا النوع من المشاريع عن بعض المواقف السياسية التي تعارض من أجل المعارضة فحسب".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024