الحريري:الحوار جدي..ولنجاحه اربعة شروط

المدن - سياسة

السبت 2015/02/14

في الشكل كما في المضمون السياسي، كان المشهد مختلفاً. حلت الذكرى العاشرة لإغتيال الرئيس رفيق الحريري، وحملت معها الكثير مما فقدته الأعوام الماضية. التنظيم في القاعة كان منضبطاً على عكس ما سبق. الحضور كان كاملاً. لا مقاعد فارغة. وما يقارب العشرة آلف كرسي إمتلأت. حتى التقنية المستخدمة من إضاءة، إلى مؤثرات صوتية، وشاشات، كانت باهرة.

 

في الحضور السياسي، كان النصاب متجاوزاً لقوى "14 آذار" وللمرة الأولى أيضاً. حضر حلفاء "المستقبل"، وإلى جانبهم جلس الرئيس تمام سلام، والمفتي عبداللطيف دريان، وأعطوا للمناسبة البعد "الإعتدالي" الذي رُفع شعاراً. في الصوف الأمامية جلس أيضاً، ولأول مرة وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، بصفته الشخصية، وممثلاً لرئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون، مع وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب والنائب آلان عون. وفي الجانب الآخر، جلس النائب عبد اللطيف الزين، ممثلاً رئيس مجلس النواب نبيه بري. كما تميز الصف الاول بحضور الرئيس ميشال سليمان الى جانب الرئيس الحريري.

 

الحضور السياسي اللافت، والحاشد والمدعوم بحضور دبلوماسي كبير، لم يحجب مفارقة عدم حضور رئيس حزب الكتائب أمين الجميل ونجله النائب سامي الجميل، وإقتصار تمثيل "الكتائب" على حضور عقيلة الجميل، جويس، بصفتها الشخصية كوالدة الوزير الشهيد بيار الجميل.

 

في السياسة، كما الشكل والحضور. بدا حضور الرئيس سعد الحريري، كافياً، لإكمال ما تم الإعداد له بعناية فائقة. في كلمته التي بدت محبوكة، ومعدة بحرفية، أكثر من موقف. صب كلام الحريري، في إتجاهين متوازيين، الأول إلى القاعدة الشعبية السنية عبر تأكيد ضرورة الإعتدال ومحاربة التطرف والإرهاب والتمسك بالدولة والمؤسسات، والثانية بإتجاه "حزب الله" والمحور الذي يمثل، أكدت على ربط النزاع، بخصوص السلاح، ومشاركة الحزب في القتال في سوريا، وقرار الحرب والسلم، والأوضاع في المنطقة عموماً، والتمسك بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وأخيراً ورغم كل ما سبق: ضرورة الحوار لتهدئة الشارع وتنفيس الإحتقان.

 

الحريري، استهل كلمته، وبطريقة لافتة، وغير مباشرة، بتأكيد تحالفه مع المملكة العربية السعودية، عبر التعزية بالملك عبد الله بن عبد العزيز، وتأكيد "الوفاء" للملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الامير مقرن وولي ولي العهد الامير محمد بن نايف، والتشديد على الإيمان بـ"قدرة اللبنانيين والعرب على تجاوز النزاعات بالإعتدال الذي ترعاه السعودية، قبل أن يفند ما يحصل في المنطقة، محملاً محور "الممانعة"، وأيضاً بطريقة غير مباشرة مسؤولية ما يحصل، في سوريا حيث "تمكن بشار الاسد من تكسير سوريا على السوريين، واجهز وحلفاؤه على اكثر من نصف مليون ضحية ونجح في تشريع الحدود للقوى المتطرفة"، وفي العراق حيث "بعض الحكام أدى حكمهم الى تسليم البلاد الى داعش"، وفي اليمن التي "عاشت في نزاعاتها وحروبها وفرض التغيير السياسي بقوة السلاح"، وفي فلسطين التي "تركها معظم العرب تواجه أقدارها منفردة"، وفي ليبيا التي  "وقعت تحت يد المليشيات".

 

بعد ذلك، كرر الحريري ما أضحى ثابتة في أدبياته، إذ أشار إلى أن "لا حل للتحديات التي تواجه لبنان ومحاربة عودة شبح الحرب الأهلية سوى مشروع رفيق الحريري"، خصوصاً أنه "عمل على مواجهة التطرف"، مشيراً إلى أن "مواصلة الرد على مشاريع الدمار والتطرف والجهل والتخلف، هو بأن نحمي لبنان بكل ما لدينا من قوة ووسائل".

 

أما الجزء الثاني من الخطاب، فخصصه الحريري لـ"حزب الله"، بداية من الحوار معه لأنه "حاجة اسلامية لاستيعاب الاحتقان المذهبي، وضرورة وطنية لتصحيح المسيرة الوطنية وانهاء الشغور في الرئاسة الاولى"، لكن ضرورة الحوار لا تلغي أن "النزاع قائم في ملفات، منها المحكمة الدولية، ورفضهم تسليم المتهمين، والمشاركة اللبنانية في سوريا، وملف حصرية السلاح بيد الدولة، والاعلان الاخير عن ضم لبنان الى جهات فلسطينية وايران وسوريا"، جازماً بأن "لبنان ليس في هذا المحور، ولا في اي محور، وغالبية الشعب اللبناني تقول لا لهذا المحور، ولبنان ليس بيد احد، ولا سلعة على طاولة احد".

 

لم يكتفِ الحريري بربط النزاع. ذهب أبعد من ذلك. وبنبرة عالية، شدد على رفض "الإعتراف لحزب الله بأي حق من حقوق تتقدم على حق الدولة في قرارات السلم والحرب، وتجعل من لبنان ساحة امنية وعسكرية، يسخرون من خلالها امكانات الدولة لانقاذ النظام السوري وايران"، مشيراً إلى أن ربط النزاع "دعوة صريحة لمنع انفجار الصراع، لأن قرارنا رفض الانجرار وراء الفتن المذهبية"، ولأن "الحوار اكبر منا ومنهم".

 

وفي جزء آخر، فند الحريري 4 أسباب لـ"الاحتقان" وهي: "رفض حزب الله تسليم المتهمين بإغتيال الحريري، مشاركة حزب الله في سوريا، توزيع السلاح تحت اسم سرايا المقاومة، وأخيرا شعور اللبنانيين أن هناك مناطق لا تطبق عليها الخطط الأمنية"، ومن هنا طالب "حزب الله" بـ"الانسحاب من سوريا"، ووقف "استدراج حرائق من سوريا"، مستغرباً "ربط الجولان بجنوب لبنان".

 

وبالعودة إلى الإرهاب، اعتبر الحريري أن محاربته "مسؤولية وطنية تقع على عاتق جميع اللبنانيين، وإلا سيصيب الحريق الجميع"، لافتا الى أن "نموذج العراق لا ينفع في لبنان"، موجها نداء الى الجميع، وخاصة الى "حزب الله" من أجل "وضع استراتيجية لمواجهة التطرف"، لأن "رهان إنقاذ النظام السوري وهم مبني على إنتصارات وهمية".

 

وفي رسالة داخلية أخرى، تحديداً للقاعدة الشعبية السنية، أكد الحريري الوقوف "وراء الجيش والقوى الأمنية، وقولا وفعلاً، والدعم غير مشروط وبلا حدود، وهو مقرون بخطوات عملية تضع المصلحة الوطنية فوق المصالح الحزبية، وهو موقف حاسم يحمي أهلنا ولا يهادن الإرهاب، وهذه هي مدرسة رفيق الحريري وتيار المستقبل"، مضيفاً: "انا متطرف للبنان والدستور والمؤسسات وقوى الشرعية والجيش والامن الداخلي، للنمو الاقتصادي، للعيش الواحد لبناء الدولة المدنية، دولة القانون".

 

أما المحكمة الدولية، فإكتفى الحريري بالإشارة إلى أنها "تواصل عملها بشفافية"، معلنا انه على "ثقة تامة بأنها ستأتي بالحكم العادل" والأهم تأكيده ان "دماء رفيق الحريري، لن تذهب في اطار التسويات".

 

الحريري، وفي كلمته، تطرق أيضاً إلى الفراغ الرئاسي، متهماً "حزب الله" بـ"تأجيل الكلام" في هذا الملف، ومذكرا بـ"دعوته الى إخراج الرئاسة من نفق التعطيل" لأن "البعض يستطيب استمرار الشغور، وتوزيع صلاحيات الرئيس على 24 وزيرا"، وهو أمر "لا يعوض غياب رأس الدولة".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024