الحريري يلتقي حسين الخليل: الانتحار أو قلب الطاولة

منير الربيع

الأربعاء 2020/10/14
يقف الرئيس سعد الحريري في موقف حرج على مسافة أقل من أربع وعشرين ساعة للاستشارات النيابية الملزمة. ويؤكد الحريري أنه يرفض تأجيل الاستشارات، لأن التأجيل يعني استدراجه إلى ما وقع فيه مصطفى أديب من أخذ وردّ. لذا، أمامه ثلاثة خيارات. إما أن يقبل بأي عدد من الأصوات التي ستسميه، مهما كانت ضيئلة، ويتم تكليفه على أساسها طالما أن ليس هناك مرشح بوجهه. وإما أن يعتذر، أو أن يعود ويوافق على تأجيل الاستشارات.

نصيحة برّي
إذا قبل الحريري بتكليفه وفق المعطيات المتوفرة حتى هذه اللحظة، يعني أنه سينال أصوات، كتلة المستقبل، تيار المردة، الرئيس نجيب ميقاتي وكتلته، الرئيس تمام سلام، وكتلة التنمية والتحرير وعدد من النواب المستقلّين، بالإضافة إلى كتلة اللقاء الديمقراطي إذا نجح بإقناع وليد جنبلاط. ولكن عندها سيذهب إلى معركة التأليف والتي ستنتظره فيها مطبات كثيرة، وسيكون خاضعاً لابتزاز هائل كان قد فتح بازاره جبران باسيل. أما بحال وافق على تأجيل الاستشارات، فسيخوض جولة مشاورات سياسية، وليس نيابية، مع القوى والكتل من أجل توفير ظروف ومقومات التفاهم.

موقف باسيل كان واضحاً: طريق رئاسة الحكومة تمرّ عبرنا. يتسلح باسيل بالميثاقية المسيحية وبتوقيع رئيس الجمهورية. وعندما التقى الحريري بالرئيس نبيه برّي، قال له رئيس مجلس النواب: "لا بد لك أن تعقد لقاءات مع ثلاث قوى سياسية، حزب الله ووليد جنبلاط وجبران باسيل. والمسألة ليس لها علاقة بـ"المحبة" أو عدمها. بل بما تفرضه اللعبة السياسية". وكان الحريري يتجنب عقد مثل هذه اللقاءات، كي لا يعطي طابعاً سياسياً للتشكيل، فاخترع طريقة إرسال وفد كتلة المستقبل لاستمزاج الآراء، في محاولة لتعبيد طريقه.

"ممانعة" جنبلاط ولقاء الخليل
أول الردود كان من وليد جنبلاط الذي رفض طريقة التعامل معه. يعلم جنبلاط أن الحريري لن يكتفي بتواصله مع التيار الوطني الحرّ من خلال الوفد النيابي، وأنه سيحصل تواصل أو لقاء مباشر بينهما. وقد كان باسيل واضحاً في رفع سقفه. وكان معلوماً ان الحريري سيلتقي المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله، حسين الخليل، بعيداً من الإعلام. رفض جنبلاط استقبال وفد المستقبل. بادر الحريري إلى فتح خطوط التواصل وإيجاد حلّ للمشكلة عبر إقناع جنبلاط باستقبال الوفد، مقابل حصول لقاء هاتفي بينهما. لكن الأخير رفض، بينما برر الحريري موقفه بأنه لا يريد عقد لقاء مع أي شخص سياسي، كي لا يلتقي باسيل.

مساء الثلاثاء عقد لقاء طويل نسبياً بين الحريري وحسين الخليل، جرى خلاله استعراض مبادرة الحريري، والبحث عن مخرج لتشكيل حكومة برئاسته. سأل الحريري عن مدى التزام حزب الله بالمبادرة الفرنسية، فكان الجواب سريعاً وبديهياً أن الحزب أول من رحب بها. وكرر الخليل موقف النائب محمد رعد أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أي الموافقة على 90 بالمئة من الورقة، فيما العشرة بالمئة تحتاج إلى نقاش وبحث عميق لأنها أمور عامة. وهذه تتعلق بشروط صندوق النقد والخطة الاقتصادية وتفاصيلها.
طالب الحريري بصلاحيات استثنائية للحكومة، الأمر الذي سارع الخليل إلى رفضه بشكل مطلق. وجدد موقف الحزب وحركة أمل بالتمسك بوزارة المال وتسمية الوزراء الشيعة.
على أي حال، ترك الحريري المجال أمام المزيد من المفاوضات، ولم يقفل الباب، لكن الثنائي بقي على موقفه.

احتمالات صعبة
أعاد الجميع رمي الكرة في ملعب الحريري. هو صاحب الخيار وصاحب القرار. وفي حال ارتضى التكليف بأصوات ضيئلة، ومن دون أصوات الكتل المسيحية الكبرى، أي القوات والتيار، سيكون مكبلاً بشكل كامل لدى حزب الله. علماً أن مفاوضات التأليف ستحتم عليه عقد لقاء مع باسيل للحصول على ثقة المجلس، وعلى توقيع رئيس الجمهورية. أما بحال حصل على أصوات تكتل "لبنان القوي"، فيعني أن المفاوضات قد حصلت بين الطرفين وتم نسج تفاهم جديد.
وسط كل هذه الاحتمالات القاتمة، يبقى أمام الحريري خيار يقلب الطاولة، إما بإعلان الانسحاب وتحميل المسؤولية للكتل التي عرقلت مجدداً. وإما القبول بالتكليف، وفيما بعد يعمل على تشكيل حكومة كما يريدها هو، ومن دون استلام أسماء من القوى السياسية، ويذهب بها إلى القصر الجمهوري، فيطرحها أمام عون الذي سيرفضها. وعندها، يخرج ويعلن ما لديه ويحمّل من عرقل المسؤولية كاملة. وبهذه الخطوة، ربما يستعيد صورته وحضوره وصلاحياته، سياسياً ومعنوياً.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024