العقدة السنّية تفتن بين "العهد" وحزب الله.. وتهدّد الطائف

منير الربيع

السبت 2018/11/24

في الصورة مشهدان. الأول: خلاف سنّي - سنّي، بين رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري والنواب السنّة المستقلين. الثاني: خلاف ضمني، يتحدث عنه البعض بخفوت، بين حزب الله والعهد. هو خلاف يبدأ من ردّ الرئيس ميشال عون على مطلب الحزب بتوزير سنّة 8 آذار بأنهم ليسوا كتلة، ولا ينتهي بموقف الوزير جبران باسيل الأخير، الذي رفع راية وقف التبادل السني والمسيحي بين رئيسي الجمهورية والحكومة، وبالتالي تعطيل المسعى الباحث عن مخرج، وما بينهما أيضاً الموقف الذي أطلقه باسيل باحتفالية رفع لوحة جلاء الجيش السوري عن لبنان.

تطويق الحريري

عدم الوضوح يهيمن على الصورة. التفسيرات متعددة، كما الأسئلة الكثيرة. هل لا يزال حزب الله متمسكاً بالحريري لرئاسة الحكومة؟ هل يبحث عن بديل منه؟ هل من خلاف بين الحزب ورئاسة الجمهورية؟ أم الخلاف بين الحزب وباسيل؟ وكيف سيتم الخروج من هذا المأزق؟

وسط كل هذه التساؤلات، وجد سعد الحريري نفسه وحيداً ومطوقاً، أمام مطلب سنّة الثامن من آذار. حتى رئيس الجمهورية وجبران باسيل تركاه في منتصف الطريق، وانقلبا على موقفهما الداعم له، إلى حدّ تسريب أحد النواب السنة عن رئيس الجمهورية قوله: "قرار الحريري برفض توزيركم غير حكيم".

المساعي التي بدأها باسيل بحثاً عن حلّ للمعضلة الحكومية، سرعان ما أنهاها بموقفه الرافض للتبادل المسيحي - السنّي بين الرئيسين. ما يثبّت حصة عون كاملة، وكذلك الحريري، على أن يخسر الأخير واحداً منها لصالح سنّة 8 آذار. هكذا، وإثر رمي الكرة في ملعب الحريري من قبل الجميع، خرج الرجل بموقف تصعيدي جديد، فحواه: إذا اعتذر لن يرضى بأن يُكلّف ثانية.

تلويح الحريري بالإعتذار، استدعى رداً تصعيدياً من قوى الثامن من آذار، التي اعتبرت أن اعتذاره "ليس آخر الدنيا". وهنا لا بد من السؤال، إذا ما كان هذا الموقف يعكس رغبة حزب الله. حتى الآن لا مؤشرات عملية على ذلك. فالمعلومات تؤكد تمسك الحزب بالحريري، وبعدم البحث عن بديل منه. أسباب ذلك عديدة، فالحريري هو الذي يمثّل شرعية السنّة، وهناك تفاهم بينه وبين رئيس الجمهورية، وثمة تنسيق ضمني معه. الذهاب إلى طرح بديل منه، سيؤدي إلى عواقب إقليمية ودولية، لبنان والحزب بغنى عنها حالياً.

السيطرة التدريجية
حسب تقديرات بعض المعارضين للحزب، فهم يعتبرون أن الحريري حاجة لحزب الله، لكن استراتيجية الحزب، تحتّم ضرورة التشدد والمطالبة بوزير لسنّة الثامن من آذار، تمهيداً للوصول إلى ثنائية سنية في المستقبل، وتكريس أعراف جديدة، تدفع الحزب إلى الإستمرار في مسعى السيطرة التدريجية على القرار السياسي في البلد. بالنسبة إلى الحزب، فما يرفعه من شروط واضح: مطلب تمثيل الجميع، والذي كان غاية القانون الإنتخابي. لو كان حزب الله يريد بديلاً من الحريري، لكان لجأ إلى أساليب أخرى، أكثر "إفادة".

يصح القول أن البحث مستمرّ عن "القطبة المخفية". أن يطلب النواب الستة موعداً من الحريري، بمعزل عن تحديده لهم من عدمه، يعطي انطباعاً أن الخلاف سنّي - سنّي، ولا علاقة لحزب الله به، ولا لأي طرف آخر، خصوصاً أن ذلك يأتي بعد انسحاب باسيل من مساعيه. وثمة من يسأل إذا ما كان باسيل قد تراجع واتخذ هذا الموقف (وقف المقايضة: وزير مسيحي للحريري ووزير سنّي لعون)، جاء بدفع من حزب الله، ليعكس الصورة الحقيقية بأن الخلاف هو أصلاً بين القوى السنية. آخرون يعتبرون أن الحزب يبدي امتعاضاً من باسيل على تصرّفه هذا، خصوصاً أنه جاء بعد لقائه بالسيد حسن نصر الله، وتعهّده بالبحث عن حلّ وسط، يقضي بتنازل الجميع. لكنه عاد وفضّل تحييد نفسه وحفظ حصة رئيس الجمهورية، تاركاً المشكلة عالقة.

الخلاف الحقيقي

إنطلاقاً من هذه النقطة بحصر الخلاف داخل "البيت" السنّي، يظن البعض أن كل هذه المناورات تهدف إلى إبعاد الأنظار عن الخلاف الحقيقي بين حزب الله والعهد. وملامح هذا الخلاف واضحة في الانزعاج من موقف رئيس الجمهورية برفض توزير حلفاء الحزب، كما في الغضب من باسيل على مواقفه الأخيرة والمبادرات التي يقوم بها، إذ لا اعتبار فيها سوى مصلحته، وكأن ليس لديه حلفاء، سواء بعدم رغبته بتوزير هؤلاء، أو بالسعي للحصول على ثلث معطّل، والإحتفاظ به.

حتى الآن، يصرّ الحريري على الصمود، وحزب الله متمسك به، وباسيل ماض في حساباته. فيما بعض حلفاء الحريري يتخوفون من أن يلجأ إلى التنازل في مرحلة لاحقة، بسبب ضغوط دولية وإقتصادية، ما يؤدي إلى تكريس أعراف جديدة، وهذه لن تكون بعيدة عن إقتراح دستوري جديد، قد يتقدّم به البعض في المستقبل، يهدف إلى وضع مهلة زمنية محددة أمام رئيس الحكومة لتشكيل حكومته. هذا المقترح احتمال خطير يمس بوثيقة "الطائف" وقد يمهد لتدنيسه كله. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024