الدولة المغلوبة

مروان حرب

الإثنين 2020/05/11

الواقع يثأر دائماً إذا ما تم تجاهله. نُفاجَأ بما يحصل وبالنتائج التي تطيح التوقعات. من يجهل الواقع لا يحسن لا التقدير ولا قدرة التوقع، بل يحصد الخيبة والهزيمة. التغيير لا يصبح ممكناً إلّا بعد امتلاك فهم جيد للواقع. كلّما ملكت إمكانية تفكيكه تمكنت من إعادة تركيبه. الواقع لا يتحول إلا بطريقة معاكسة.

أحلام طوباوية
والواقع الذي يعيشه اللبنانيون فشلٌ، قد يكون شاملًا على جميع المستويات. ارتجالٌ سياسي، وجمودٌ مؤسساتي، وانهيارٌ اقتصادي وعجزٌ مالي وتخبطٌ شعبي. إن خطورة الأزمة التي يمر بها لبنان لا تقاس بمقدار الاضطرابات التي تولدها، أو تتولد هي عنها، بل بمقدار ما تقاس بالعجز عن اتخاذ القرار الضروري لمواجهتها. السلطة السياسية الحالية عاجزة عن مواجهة هذه الأزمة لأنها تنظر إليها بأفكار وأحلام طوباوية، تتهرب من النقد وتقفز فوق الوقائع، لكي تصحَّ مقولاتها وتبريراتها بالفشل. تحوّل تبرير الفشل إلى الفشل المبرر.

الواقع الذي تعيشه الدولة اللبنانية هو أنها هُزمت من قبل حزب الله قبل سنوات عدة. الأجدى استعمال تعبير "الغلبة" على مصطلح "الهزيمة". الغلبة قد يستفيد منها المغلوب ولا تكون دوماً لمصلحة الغالب فقط. هذا ما يحصل اليوم مع سيطرة حزب الله على الدولة. إذ "تستفيد" بعض القوى السياسية، أقله في الظاهر، لتمكين سطوتها على بعض المناصب الإدارية. لذا يبدو المغلوب ملتحمًا بالغالب، لا تفصله عنه مساحة تتيح له الاعتراض، بل هو يبصم ويبارك، تمامًا كما كان يحدث خلال الاحتلال السوري.

حزب الله والطوائف 
الواقع التي تعيشه الطوائف في لبنان، هو أنَّ حزب الله عرف كيف يوقظ حلم المارونية السياسية، بظهور القائد القوي المخلص، بعد جعله صورياً ومن دون قرارٍ فعلي. عرف كيف يوقظ الخصوصية الدرزية بعد محاولة محاصرتها. عرف كيف يفرّغ القيادة السّنّية بعد دفعها إلى تنازلات انتحارية. لذلك، لا يكفي تفسير غلبة حزب الله لاعتبارات طائفية خلقية، مثل العدد والدعم الخارجي. كما لا يكفي تفسيرها فقط بامتلاك السلاح. بل تفسّر، قبل كل شيء، بلعنة رئاسة الجمهورية التي حلّت على الموارنة، الذين تخلوا عن مؤسسات الدولة، ضمانتهم الوحيدة، من أجل كرسي لم يعد يُشعَر بالجالس عليه؛ وبانعزالية الدّروز على حساب القضايا الوطنية، ووهن قيادة سنّية أفرغت رصيدها بالتّنازلات المتتالية.

الهزيمة الفعليّة ليست أن يغلب حزب الله الآخرين، الهزيمة الفعليّة ألّا يصدّق المهزومون أنهم هزموا، أو ألّا يدروا كيف هُزموا ولماذا. الهزيمة أن تتوالى النكسات وتبقى الطوائف متمسكة بمواقفها، متشبثة بشعاراتها وقناعاتها. 

والواقعة الأخيرة أن الشعب المنتفض لم يُهزم بعد، إذا ما أحسن التعاطي مع الواقع، وصمد في مطالبته بانتخابات مبكرة، لإزاحة طبقة سياسية حوّلت لبنان إلى دولة مغلوبة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024