"جدار حب" حول الرشيدية: ما علاقة صور بإدلب؟

أحمد الحاج علي

الأربعاء 2018/09/26

يقف اللاجئ الفلسطيني حسن الغضبان في أرض يزرعها منذ خمسين عاماً، عند الطرف الجنوبي لمخيم الرشيدية، جنوبي مدينة صور، معرباً عن مخاوف من أن تَحول أسلاك شائكة بينه وبين أرضه. هذه المخاوف أتت نتيجة لقاء جمع قيادة الجيش اللبناني في المنطقة بمسؤولين من منظمة التحرير الفلسطينية وقوى التحالف الفلسطيني، أُخبر خلاله الفريق الفلسطيني باقتراب مدّ أسلاك شائكة في الجهة الجنوبية من المخيم، ليكتمل لفّه بتلك الأسلاك.

كما تحدث المسؤول اللبناني عن إمكانية بناء جدار يحيط بالمخيم من الجوانب كلّها "وذلك خشية على المخيم من دخول عناصر إرهابية قادمة من مدينة إدلب"، ويمكن تسمية هذا الجدار بـ"جدار الحب"، كما قال المسؤول الامني اللبناني. هذا مع العلم أن المسافة بين مدينتي إدلب وصور هي نحو 420 كلم، وبقي المخيم بعيداً من التداعيات الأمنية للأزمة السورية طيلة الفترة الماضية. لم تلق الاعتراضات الفلسطينية أي ردود فعل من الجانب اللبناني، على اعتبار أن "القرار قد اتُخذ"، وأن الفرق الهندسية قد زارت محيط المخيم، وأعدّت خرائطها.

لن يكون حسن الغضبان وحيداً في مأساته، إذ هناك نحو 600 عائلة فلسطينية في المخيم، تعتاش من العمل في الأراضي الزراعية في المنطقة الجنوبية المحاذية للرشيدية، الذي يصعب الحديث فيه عن بطالة، "لأنه لا يوجد عمل في الأساس حتى نتحدّث عن بطالة"، كما يقول أمين سر فصائل منظمة التحرير وحركة فتح توفيق عبدالله في حديث إلى "المدن"، "بل إن الغالبية الساحقة من الناس إما تعيش على ما تقدّمه منظمة التحرير من مساعدات، او من بعض التحويلات المالية القليلة ممن له قريب مقتدر مالياً خارج لبنان". ويعيش في مخيم الرشيدية نحو 25 ألف لاجئ فلسطيني على مساحة تقارب كيلومتر مربع واحد.

يضيف عبدالله: "هناك أسلاك شائكة في شرق المخيم وشماله. والآن يكتمل الطوق مع أسلاك شائكة في جنوبه، ويطل المخيم غرباً على البحر. وهناك مدخل واحد للسيارات من الشرق، يقف عنده حاجز يدقق في الأوراق الثبوتية". ويعتبر أن ما يجري من تضييق على الفلسطينيين يأتي في إطار "المشروع الأميركي والضغط العربي المتساوق معه، من أجل ابتزاز اللاجئين، ودفعهم نحو خيار التنازل الكامل عن قضية العودة. فليس مصادفة أن تأتي كل هذه الضغوط دفعة واحدة". ويدعو عبدالله القيادات الفلسطينية العليا إلى تدخل فوري وعاجل لمنع عزل مخيم الرشيدية عن محيطه، "لأن الحياة قاسية جداً، فحتى اللاجئون الفلسطينيون القادمون من سوريا إلى المخيم، بعد فترة، فضلوا الغرق في البحر على أن يستمروا في الحياة فيه".

يلتقي المسؤول السياسي لحركة حماس في صور عبدالمجيد العوض مع دعوة عبدالله للقاء فلسطيني مركزي "يرفع الصوت لمنع اكتمال حصار المخيم، وبناء الجدار الجديد. فهذا المخيم الذي قدّم نموذجاً للتعاون مع الأجهزة الأمنية، وتسليم المخلّين بالأمن، لا يصحّ أن يُكافأ بهذه الطريقة، في زمن تزداد الضغوط الدولية على اللاجئين الفلسطينيين". يضيف أنه في اللقاء الأخير بين الأحزاب اللبنانية والفلسطينية في مدينة صور، قبل ثلاثة أسابيع، "طلبنا أن تقف الأحزاب اللبنانية أمام مسؤولياتها في الدفاع عن اللاجئين، ومنع اكتمال المشروع. فوعدت تلك الأحزاب بمتابعة هذا الملف بعد انتهاء عاشوراء".

ويشير العوض إلى أن هذا القرار "يبرهن، مرة أخرى، على وجود نظرة أمنية فحسب للعلاقة اللبنانية- الفلسطينية، وهو خطوة خاطئة في المكان- الزمان الخطأ، وربما يؤثّر سلباً على العلاقات اللبنانية- الفلسطينية في المنطقة، التي يمكن وصفها بالجيدة. ورغم أن بعض الأجهزة الأمنية تتحدث عن بوابات لهذه الأسلاك الشائكة، إلا أن من عاش تجارب مخيمات أخرى يمكن أن يشكك في جدوى هذا الكلام".

خلال عدوان نيسان 1996 قُصف مخيم الرشيدية، بسبب زعم إسرائيلي بتوريده الأغذية إلى المقاتلين اللبنانيين. لم يتوقع وقتها أحد أن تلجأ السلطات اللبنانية بعيد العدوان إلى تنفيذ إجراءات مشددة ضده من خلال منع إدخال مواد البناء إلى المخيم، ووضع حواجز عديدة، وكتل إسمنتية، تعرقل حركة العابرين من المخيم وإليه. كانت صدمة كبيرة لسكان المخيم الذين يبعدون مسافة 23 كلم فقط عن حدود وطنهم.

كأنه لم يبق غريب في بلاد العرب غير ذاك الفلسطيني. فوحده يُمنع من دخول بلاد عربية، والعمل في أخرى. وتطارده رصاصات الميليشيات في مدن عربية، وتُسقط عنه صفة اللاجئ. وتحرمه دول عربية من حمل وثيقة ليصبح بلا اسم. دولة عربية اختارت أن تحضنه بطريقتها، فخنقته بـ"أسوار الحب".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024