إذلال اللاجئين.. حشراً للحريري وابتزازاً لأوروبا

منير الربيع

الجمعة 2018/11/30

الهجوم السياسي على رئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، من قبل حلفاء النظام السوري، واضح في المداهمات الأمنية، المفاجئة، والمهينة لمخيمات اللاجئين السوريين في عرسال. حشر الحريري سنياً عبر حصر الخلاف على مقعد وزاري لسنّة 8 آذار، بالساحة السنية، واستعادة خطاب متشنّج، بالإضافة إلى الكلام عن أزمة مالية مقبل عليها لبنان.. تستدعي إجراءات عديدة أو تعزيز المطالب بالحصول على مساعدات دولية، كلها تندرج ضمن سلسلة لا تنفصل عن بعضها البعض.

المجلس الأعلى للدفاع والبحر
يدغدغ الوزير جبران باسيل الرئيس سعد الحريري بإدعائه أن لبنان قادر على إعمار المشرق، لعلّه يغريه في تقديم تنازل من حصته، لصالح تشكيل الحكومة، والتفرّغ لريادة الأعمال المشتركة، التي لن تقتصر على الطموحات في المشاركة بإعادة إعمار سوريا فقط، وما سيكون للاجئين من صلة أساسية بهكذا مشاريع.

التكامل بين هجوم النظام السوري السياسي عبر حلفائه، ورفضه لإعادة عشرات آلاف اللاجئين إلى الداخل السوري، يندرج ضمن سياسة واضحة يتّبعها النظام، فيما لبنان يجد فرصة للإستثمار بأزمة اللجوء أوروبياً. وفي ضوضاء كل هذه التطورات، تأتي المداهمات التي أجريت في مخيمات عرسال على مدى يومين متتاليين، اعتقل بنتيجتها مئات السوريين بينهم نساء وكهلة. فمن دون أي إشارة مسبقة، بدأ الجيش اللبناني مداهمات لمخيمات اللاجئين في ساعات الفجر، ما يفسّره البعض بأنه لغاية تخويفية، بينما آخرون يعتبرون أنه يأتي في إطار الإجراءات الأمنية الإستباقية تحسباً لحدوث أي تجاوزات.

بعض المعطيات تشير إلى أنه بناء على اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، الذي عقد قبل ساعات من بدء المداهمات، تقرر المباشرة في الإجراءات الأمنية إلى حدود بعيدة، تخوفاً من وقوع عمليات أمنية لمناسبة الأعياد. فكان لا بد من مداهمة المخيمات. لكن أيضاً للعمليات شقها السياسي، إذ، لا يمكن فصل الإجراءات المتخذة، عن مواقف متعددة تعبّر عن وجهة تفكير لدى فريق رئيس الجمهورية. والإنتقال من العودة الطوعية إلى العودة غير الطوعية. ولكن إلى أين؟ لا بأس في أن يكون البحر ملجأ هؤلاء ومقصدهم. لأن الغاية من البحر أبعد وأهم بالنسبة إلى هذه العقلية من العودة إلى سوريا، وتوفير شروط العودة مع النظام. البحر هدّار، ومن شأنه أن يلفت اهتمام العالم إلى لبنان، على قاعدة الإبتزاز الدولي.

لذلك، لا يمكن فصل الإجراءات عن موقف وزير الخارجية جبران باسيل الأخير، المعلن من صربيا، حول موضوع اللاجئين، ولما للمكان من رمزية في هذه المسألة. حيث الرسائل تكون قادرة على الوصول بشكل مباشر إلى الأوروبيين. خصوصاً أن هناك من يقرأها في سياق يهدف إلى حشر السوريين إلى أقصى لحد، لدفعهم إلى المغادرة من دون حمل همّ وجهة مغادرتهم.

النائب الحجيري
يعيش اللاجئون ظروفاً معيشية صعبة، خصوصاً في الفترة الأخيرة، بعد وقف المساعدات عنهم، وهم يحاولون البحث عن أي منفذ للخروج من لبنان. فيما يعتبر النائب بكر الحجيري لـ"المدن" أن هناك حججاً بأن بعض الناس منتهية إقاماتهم، واصفاً الأسلوب في المداهمات بأنه يذكّر بالأساليب النازية، خصوصاً أن عمليات مداهمة المنازل والخيم حدثت بطريقة عشوائية، وجرت عمليات الاعتقال بشكل غير منظم، وأمام النساء والأطفال: "هذا الأمر ليس بسيطاً. يجب توقيف من هو مطلوب أو من عليه مذكرات أمنية، وهذه الطريقة بحق لبنان غير جيدة. ولو توفر لهؤلاء منفذاً لترك لبنان نهائياً وفوراً لما وفّروه".

وفق معطيات الحجيري، فإن تأمين عودة اللاجئين تقع على عاتق النظام، وإذا ما تأمنّت عودتهم إلى القصير وقارة وفليطا، فلن يبقى سوري واحد، في عرسال، لأن معيشتهم في البلدة ليست معيشة طبيعية، ولا تتوفر فيها ظروف الحياة. ويتوجه الحجيري إلى الوزير جبران باسيل، الذي زار عرسال قبل فترة، وأراد المزايدة على الجميع، بينما لم يتم العمل بشكل جدّي على ذلك.

رئيس البلدية
أما رئيس بلدية عرسال، باسل الحجيري فيقول لـ"المدن": "لا أفهم سبب هذه المداهمات، وكل الناس تحت السيطرة، والأجهزة الأمنية تعمل بكامل راحتها في عرسال، فلماذا هذه الحملات الكبيرة وبهدلة البشر". يرى الحجيري أنه يتم التعاطي مع اللاجئين "..وكأن هناك من يتصرف ولديه منجم يعمل على غرف الناس بالمغرفة وحشرهم في الشاحنات ليتم فرزهم فيما بعد. العملية منظمة لإذلال الناس، وعلى الأجهزة الأمنية توضيح ملابسات وفائدة هذه العمليات، وما هي الأسباب، وهل كان هناك أشخاص خطيرون قد تم توقيفهم، مع التأكيد على أن ليس هناك أي تحرّك مشبوه".

ويشير الحجيري إلى أن العراسلة مع عودة اللاجئين إلى سوريا، ولكنهم ضد تهجيرهم مرة ثانية أو ثالثة. وإذا كان المقصود من هذه المداهمات تهجير السوريين، فهذا خطأ وليس تصرّف دولة تقوم بمضايقة بعض الناس لدفعهم إلى المغادرة. والسؤال الأساسي إلى أين سيتوجهون؟ كاشفاً أن الكثير من هؤلاء اللاجئين قد سجلوا أسماءهم بهدف العودة إلى سوريا، وهم ما زالوا ينتظرون موافقة الجانب السوري على السماح لعودتهم، والنظام هو من يؤخر ويمنع عودتهم.

الوزير المرعبي
لم يكن من داع للقيام بهكذا عملية، حسب وزير شؤون اللاجئين معين المرعبي، الذي يعتقد أنه كان بالإمكان التعاطي بطريقة لائقة، خصوصاً حين يتم استدعاء أي لاجئ مطلوب، لم يكن ليتمنّع عن ذلك، معتبراً أن ليس هناك أي مبرر لما جرى إلا إذا كان هناك أهداف أخرى من وراء هذه العملية، التي تؤدي إلى التهجير، لافتاً إلى أنه لا يريد إسقاط أي اعتبارات أمنية عن ما يجري، لكنه يبدي استغرابه لعدم التنسيق في هذه المسائل، خصوصاً أن ما يجري يسيء للجميع، كان يجب أن نعرف كوزراء معنيين بدلاً من استقاء المعلومات من الإعلام فقط. بل وكان بالإمكان التعاطي بشكل إنساني أفضل. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024