المدن - لبنان
وتابع: "إن ما جرى في الشارع في الأسابيع الأخيرة، ولا سيما في طرابلس وبيروت وعين الرمانة، يجب أن يكون إنذارا لنا جميعا لتحسس الأخطار الأمنية التي قرعت أبواب الفتنة من باب المطالب الاجتماعية. وبدا جليًا أن هناك من يستغل غضب الناس، ومطالبهم المشروعة، من أجل توليد العنف والفوضى، لتحقيق أجندات خارجية مشبوهة بالتقاطع مع مكاسب سياسية لأطراف في الداخل".
وأضاف عون: "لقد لامسنا أجواء الحرب الأهلية بشكل مقلق، وأطلقت بشكل مشبوه تحركات مشبعة بالنعرات الطائفية والمذهبية، وتجييش العواطف، وإبراز العنف والتعدي على الأملاك العامة والخاصة وتحقير الأديان والشتم، كحق مشروع للمرتكبين.
وإزاء هذا التفلت غير المسبوق، وشحن النفوس، والعودة إلى لغة الحرب البائدة التي دفع لبنان ثمنها غالياً في الماضي، كان لا بد لي انطلاقاً من مسؤولياتي الدستورية، أن أدعو إلى هذا اللقاء الوطني الجامع، لوضع حد نهائي لهذا الانزلاق الأمني الخطير.
إن الاختلاف السياسي صحي وفي أساس الحياة الديموقراطية، ولكن سقفه السلم الأهلي، ومهما علت حرارة الخطابات لا يجب أن نسمح لأي شرارة أن تنطلق منها، فإطفاء النار ليس بسهولة إشعالها، خصوصا إذا ما خرجت عن السيطرة، وهذه مسؤوليتنا جميعاً، الحاضرين والمتغيبين.
وقال إن "وطننا يمر اليوم بأسوأ أزمة مالية واقتصادية، ويعيش شعبنا معاناة يومية خوفاً على جنى أعمارهم، وقلقاً على المستقبل، ويأساً من فقدان وظائفهم ولقمة العيش الكريم.
أقولها بالفم الملآن، ليس أي إنقاذ ممكناً إن ظل البعض مستسهلاً العبث بالأمن والشارع، وتجييش العواطف الطائفية والمذهبية، ووضع العصي في الدواليب، والتناغم مع بعض الأطراف الخارجية، الساعية إلى جعل لبنان ساحة لتصفية الحسابات، وتحقيق المكاسب، عبر تجويع الناس، وترويعهم، وخنقهم اقتصادياً.
إن ظننا أن الانهيار يستثني أحدا فنحن مخطئون، أو أن الجوع والبطالة لهما لون طائفي أو سياسي فنحن واهمون، أو العنف في الشارع هو مجرد خيوط نحركها ساعة نشاء ونوقف حركتها بإرادتنا. فنحن غافلون عن دروس الماضي القريب، كما عن دروس المنطقة والجوار.
وأمام التحديات المصيرية التي يعيشها لبنان، وفي ظل الغليان الإقليمي والأمواج العاتية التي تضرب شواطئنا، والمخاطر التي قد تنشأ عما يعرف بقانون قيصر، فإن الوحدة حول الخيارات المصيرية ضرورة. وما هدفنا اليوم من هذا الاجتماع إلا تعزيز هذه الوحدة ومنع الانفلات.
إن الاختلاف في الرأي حق إنساني، ومحفز فكري، ولكن علينا ان نكون يداً واحدة في مواجهة الفتنة وتحصين السلم الأهلي، كي لا ندخل في نفق لا خروج منه. هذا هو الخط الأحمر الحقيقي، والذي لن يكون هناك أي تساهل مع من يحاول تجاوزه".
دياب والظلال السوداء
من ناحيته شكر دياب عون على هذه الدعوة، التي تحمل في طياتها درجة عالية من المسؤولية الوطنية في الدفع نحو التقاء اللبنانيين، في حوار يعطل صواعق الفتن، ويفتش عن مخارج للأزمات العميقة التي يعيشها لبنان.
وقال دياب: "إن اللبنانيين يتطلعون بقلق إلى المستقبل، لأن الحاضر مرتبك، ولأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية تترك خلفها ظلالاً سوداء، ومآس مؤلمة، وأنيناً اجتماعياً يصم آذان المكابرين عن الاعتراف بأسباب وقوة الوجع. نعم... البلد ليس بخير. كيف يمكن أن يكون الوطن بخير وهناك مواطن يجوع؟! نعم... هذا توصيف للواقع المزمن، ولكن العلاج هو مسؤولية وطنية، ليس فقط مسؤولية حكومة جاءت على أنقاض الأزمة، وتمكنت من تخفيف الوطأة على الاحتياطي واحتواء تداعياته، عندما قررت بجرأة التوقف عن دفع الديون والتي كانت تبلغ نحو 4.6 مليار دولار هذه السنة. تخيلوا النتيجة لو دفعنا من احتياطي لبنان هذا المبلغ!
أيضاً، العلاج ليس فقط مسؤولية الحكومات السابقة التي كانت تخفي الأزمة، ثم جاءت هذه الحكومة لتكشف بجرأة وشفافية أرقام الخسائر المالية المتراكمة، في سياق خطة مالية إنقاذية هي الأولى في تاريخ لبنان.
الكل اليوم معني بالمساهمة في ورشة الإنقاذ. ليس لدينا ترف الوقت للمزايدات وتصفية الحسابات وتحقيق المكاسب السياسية. لن يبقى شيء في البلد للتنافس عليه إذا استمر هذا الشقاق والقطيعة والمعارك المجانية. نحن نمر في مرحلة مصيرية من تاريخ لبنان، وهي تحتاج منا إلى تضافر الجهود، وتقديم مصلحة البلد، وتعويم منطق الدولة، كي نتمكن من تخفيف حجم الأضرار التي قد تكون كارثية".
وتابع دياب: "دعوني أتحدث بصراحة. إن اللبنانيين لا يتوقعون من هذا اللقاء نتائج مثمرة. بنظر اللبنانيين، هذا اللقاء سيكون كسابقاته، وبعده سيكون كما قبله، وربما أسوأ. لا يهتم اللبنانيون اليوم سوى بأمر واحد: كم بلغ سعر الدولار؟ أليست هذه هي الحقيقة؟ لن يدقق اللبنانيون في العبارات التي أدرجناها في خطاباتنا. لم يعد يهمهم ما نقول. يهمهم فقط ماذا سنفعل.
وأنا أقر وأعترف: ليس لكلامنا أي قيمة إذا لم نترجمه إلى أفعال تخفف عن اللبنانيين أعباء وأثقال يومياتهم. يريد اللبنانيون حمايتهم من الغلاء الفاحش، وتأمين الكهرباء، وحفظ الأمان والاستقرار. يريد اللبنانيون من القضاء أن يتحرك ضد الفساد والفاسدين. يريد اللبنانيون من مصرف لبنان أن يضبط سعر صرف الدولار أمام الليرة اللبنانية وحفظ قيمة رواتبهم ومدخراتهم من التآكل. هذا ما يريده اللبنانيون، وهذا ما يفترض أن نكون جميعا مسؤولين عن تحقيقه.
انطلاقاً من ذلك، فإني أدعو، بكل محبة، إلى أن يكون هذا اللقاء هو بداية عمل وطني واسع، تنبثق عنه لجنة تتابع الاتصالات تحت قبة المجلس النيابي، مع جميع القوى السياسية والحراك المطلبي وهيئات المجتمع المدني، على أن ترفع توصيات إلى هذا اللقاء مجددا برعاية فخامة رئيس الجمهورية.
وفقنا الله لما فيه خير لبنان واللبنانيين لنعبر هذه المحنة العصيبة التي تضغط على الوطن".
في حفلة السمر هذه، لم يكن الكلام السياسي الفعلي حاضراً، إلا ربما تلك العبارات التي قالها الرئيس السابق ميشال سليمان: "حزب الله نقض الاتفاقات، ما حال دون تنفيذ تعهدات الدولة، وتسبب بعزلتها القاتلة، وبفقدان مصداقيتها وثقة الدول الصديقة وأهلنا في الانتشار والمستثمرين والمودعين والسياح.. ما ساهم في تراجع العملة الوطنية". وهذا ما لا يحبذ قصر بعبدا سماعه أصلاً.