مصير "اليونيفيل": ما تريده أميركا ويمنعه حزب الله

سامي خليفة

الأربعاء 2020/06/17

أوصى الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيتريش في تقريره الأخير، تمهيداً لتجديد مجلس الأمن الدولي في آب المقبل، تفويض قوة حفظ السلام الأممية في جنوب لبنان المعروفة باليونيفيل، بجعل هذه القوة التي تواجه انتقادات أميركية وإسرائيلية شديدة، "أكثر مرونة وقدرة على الحركة". وقد طرح السفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان، في تقريرٍ جديد نشره معهد "بروكينغز"، عدة مقاربات تطال أهداف اليونيفيل وإنجازاتها، وما هو التوقع الواقعي لليونيفيل في ظل الظروف الحالية، وكيف يجب أن تتعامل واشنطن مع عملية التجديد.

اليونيفيل الجديدة
يمكن تقسيم تاريخ اليونيفيل إلى قسمين، اليونيفيل القديمة، التي تأسست في عام 1978 لرصد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، واليونيفيل الجديدة، وهي نسخة ظهرت عام 2006، كنتيجة مباشرة لمحاولة أعضاء مجلس الأمن معالجة أسباب حرب صيف 2006 التي أشعلها حزب الله مع إسرائيل، والتي أُرسل بموجبها 15 ألف جندي للمراقبة، مدّعمين بقوارب بحرية.

يعود فيلتمان بالذاكرة إلى عام 2006، حين كان سفيراً الولايات المتحدة في لبنان، ويستذكر أنه أجرى برفقة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ويلش، بين 6 و 9 آب 2006، مناقشات مكثفة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الوزراء فؤاد السنيورة حول صياغة مسودة لمجلس الأمن بشأن وقف الأعمال القتالية وتفويض اليونيفيل.

أقنع فيلتمان اللبنانيين حينذاك بالموافقة على تفويض اليونيفيل الجديد، ووافق لبنان على نشر القوات المسلحة اللبنانية في الجنوب للمرة الأولى منذ عقود. لكن الأميركيين فشلوا في دفع السنيورة أو برّي على قبول سلطات الفصل السابع الصريحة، التي كانت ستمنح صلاحيات أوسع لليونيفيل. ومن دون موافقة لبنان، تبخرت إمكانية إقرار مجلس الأمن الفصل السابع لليونيفيل.

في 11 آب 2006، تبنى أعضاء مجلس الأمن القرار 1701، الذي دعا إلى وقف جميع الأعمال العدائية، وتوسيع تفويض اليونيفيل وحجمها، ليصل إلى 15 ألف جندي. ومن بين أمور أخرى، كُلِّفت اليونيفيل بمساعدة الجيش اللبناني في إنشاء منطقة خالية من أي أفراد مسلحين ووصول أسلحة، غير تلك التابعة للحكومة اللبنانية واليونيفيل، بين الخط الأزرق ونهر الليطاني.

العيوب
بقيت مهمة اليونيفيل، حسب فيلتمان، حبراً على ورق. إذ لم تتمكن الحكومة اللبنانية، من نشر 15 ألف جندي من القوات المسلحة اللبنانية، التي تم التعهد بها في عام 2006. كما أن مقاتلي حزب الله المسلحين لا يزالون موجودين في الجنوب، بينما تفتقر اليونيفيل إلى التفويض والقدرة على الإطاحة بهم.

بالنظر إلى هذه الفجوة الكبيرة بين الأهداف والإنجازات، فلا عجب أنه في كل عام عندما يحين وقت تجديد ولاية اليونيفيل في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تحاول واشنطن تعزيز تفويضها، بينما تتساءل أيضاً عن التكاليف السنوية التي تبلغ 500 مليون دولار، والتي لها فيها حصة تُقّدر بحوالى 27 في المئة.

وبالحديث عن تجديد مجلس الأمن الدولي في آب المقبل، تفويض قوة حفظ السلام الأممية في جنوب لبنان، أدخلت واشنطن لغة تطالب بتقديم الأمين العام للأمم المتحدة تقريراً عن فعالية اليونيفيل. التقرير الذي صدر في الأول من حزيران المنصرم، كان بمثابة قراءة متقنة، ووثيقة واضحة بشكل غير معهود، تكافح فيها اليونيفيل ضد المزارعين المحليين، والقرويين، وما يسمى بالنشطاء البيئيين، المرتبطين بلا شك بحزب الله. ويترك التقرير أيضاً إحساساً باليأس بشأن انتشار القوات المسلحة اللبنانية في الجنوب، نظراً للأزمة المالية الخانقة في لبنان التي تمنع تجنيداً إضافياً في صفوف الجيش، ناهيك عن حاجة الجيش اللبناني للمساعدة في الاضطرابات المدنية بالإضافة إلى الإرهاب والتهديدات الأمنية في أماكن أخرى من البلاد.

لذلك، يقول فيلتمان إن ما ورد تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، الذي يصف الفعالية الحقيقية لليونيفيل، وقيادتها للتنسيق الثلاثي الأساسي ووقف الصراع بين الإسرائيليين واللبنانيين (الذين لا يتواصلون ثنائياً) لا تؤدي إلى استنتاج أن هناك حاجة إلى 10 آلاف جندي منتشرين حالياً في الجنوب اللبناني.

ماذا تقول الواقعية السياسية؟
يرى السفير الأميركي السابق في لبنان، أنه من المشروع أن يتساءل صناع السياسة الأميركيون عما إذا كانت اليونيفيل لا تزال تستحق الاستثمار. ولعل أهم التساؤلات التي تُطرح حالياً في دوائر صنع القرار، هي إن كانت اليونيفيل تلعب حقاً دوراً في استقرار الجنوب وكبح الاشتباكات اللبنانية-الإسرائيلية؟

يبدو أن الموقف الرسمي للحكومة اللبنانية من هذه التساؤلات يدعم دور اليونيفيل. فقد طلبت بيروت رسمياً تجديد التفويض. أما الجانب الإسرائيلي، فيعتقد فيلتمان بأن لديه مشاعر مختلطة، لكن أي تغيير في الوضع الراهن يمكن أن يؤدي بسهولة إلى تصعيد أو مواجهة بين إسرائيل والحزب.

من وجهة نظر فيلتمان، يجب أن تنبع الإجابات مما هو واقعي وما تريده الولايات المتحدة حقاً من اليونيفيل. مقراً بأن نزع سلاح حزب الله لا يمكن أن يكون جزءاً من مهمة اليونيفيل، ومعترفاً في الوقت نفسه بأن وقف الانتهاكات الإسرائيلية للأجواء اللبنانية يفوق قدراتها. وفي هذا الصدد، يشدد بأن البلدان المساهمة بعناصر في اليونيفيل، لن توافق على المواجهات الحتمية التي قد تنتج عن نزع السلاح بالقوة.

بموجب تفويض القرار 1701، طُلب من اليونيفيل مساعدة الحكومة اللبنانية "بناء على طلبها" تأمين حدود لبنان ومنع تسلل الأسلحة. وكما يعلم الجميع، فإن لبنان لم يطلب مثل هذا الدعم، ولا سيما في ظل الحكومة الحالية المدعومة من حزب الله. ووسط كل هذا، تواصل إيران وحزب الله تهريب الأسلحة عبر سوريا، والرادع الوحيد لهما هو العمليات الإسرائيلية عبر الحدود إلى سوريا (غالباً من خلال انتهاك المجال الجوي اللبناني) واستعداد روسيا للتغاضي عنها.

أشارت تقارير كثيرة سابقة إلى أن اليونيفيل تتخذ نهج "لا ترى فيه الشر، ولا تسمع الشر، ولا تتحدث بالشر" عن مستودعات الأسلحة المحتملة. لكن الحقيقة المحزنة هي أن حزب الله لم يعد يعتمد على الأسلحة في الجنوب. إذ تفيد معظم التقارير، أن لدى حزب الله مخزون من الصواريخ المتطورة بعيدة المدى والأسلحة الأخرى شمال الليطاني، خارج منطقة عمليات اليونيفيل. وبينما يعرّض سلاح حزب الله، أينما كان، لبنان في نهاية المطاف لخطر الهجمات الإسرائيلية، إلا أن منطقة خالية من الأسلحة جنوب الليطاني باتت لا تهم اليوم كما كانت في 2006. ويمكن للمرء أن يجادل، في الواقع، بأن لغة القرار 1701 انتهى بها الأمر إلى نتائج عكسية، لأن حزب الله نشر أسلحته في جميع أنحاء لبنان بدلاً من تركيز الأسلحة في الجنوب.

ومع ذلك، لا يمتلك الحزب، كما يرى فيلتمان، حرية الحركة شبه الكاملة التي كان يتمتع بها في الجنوب في ظل اليونيفيل "القديمة". وأصبحت هجماته بقذائف الهاون عبر الخط الأزرق أو في أراضي مزارع شبعا المتنازع عليها، والتي كانت قبل عام 2006 حدثاً منتظماً، نادرة اليوم. وبالتالي، فإن الوتيرة الثابتة لدوريات اليونيفيل تجبر بالتأكيد الحزب على التراجع عن طموحاته تجاه الجنوب. ورغم أن ما تم ذكره آنفاً يمكن اعتباره استقراراً هشاً، إلا أن امتلاك الحزب مساحة أقل للمناورة تعني فرصة أقل من الاستفزازات أو الحسابات الخاطئة التي يمكن أن تثير الحرب المقبلة.

توصيات للإدارة الأميركية
تقرير فيلتمان تضمّن توجيهات للقوات الأممية، إذ لفت الى أن المقاربة المناسبة للولايات المتحدة هي الاستفادة من التوصيات التي جاءت في توصيات غوتيريش والإصرار على الإسراع في تنفيذها، مشيراً إلى أن التقرير يتحدث عن إمكانية الاستفادة من معدات تكنولوجية متطورة للمراقبة مثل الطائرات المسيرة غير المسلحة، وذلك من أجل مراقبة المناطق التي لا تستطيع دوريات اليونيفيل الوصول إليها، مضيفاً أن الآليات الخفيفة والدوريات الصغيرة ستصعب على سكان القرى المتحالفين مع حزب الله إيقاف الدوريات.

بدلاً من مناقشة أعضاء مجلس الأمن الآن حول أعداد قوات اليونيفيل أو التكاليف المرتبطة بها، يطرح فيلتمان مقترحاً يجدد مهمة اليونيفيل من دون إدخال تغييرات ملحوظة، على أن يكون هذا التجديد لمدة ستة أو ثمانية أشهر بدلاً من سنة. إن ربط تنفيذ توصيات الأمين العام للأمم المتحدة وتجديد التفويضات في المستقبل من شأنه ممارسة ضغط على اليونيفيل للمضي قدماً بسرعة أكبر. وكما أعد غوتيريش التوصيات في تقريره الصادر في 1 حزيران المنصرم. يمكن أن يُطلب منه خلال التجديد هذا العام إصدار تقرير مرحلي في غضون ثلاثة أشهر بشأن الخطوات التي تم اتخاذها وجدول مفصل حول الخطوات المستقبلية للتنفيذ الكامل.

كما أن الجدل المتسارع بشأن تجديد التفويض سيضغط أيضاً على الحكومة اللبنانية كي لا تمنع نشر التكنولوجيا الجديدة، خصوصاً إذا أدرك اللبنانيون أن استمرار الوضع الراهن سيؤدي إلى تصفية مهمة اليونيفيل. وبمجرد دمج مراقبة التكنولوجيا الفائقة والتغييرات الأخرى في عمليات اليونيفيل، ما يمنحها مراقبة أفضل عبر التكنولوجيا، يمكن لتجديد التفويضات المستقبلية النظر في تقليص عدد القوات وخفض كلفة نصف مليار دولار سنوياً.

وفي السياق، يفترض فيلتمان بأن توصيات غوتيريش لليونيفيل صدرت بحسن نية وليس فقط لتهدئة الأميركيين، وينوه بأن أسئلة واشنطن حول فعالية اليونيفيل صادقة وليست مرتبطة بخفض الميزانية وحسب.

ويضيف بأن التحدي الأكبر يتمثل في كيفية إقناع اللبنانيين سياسياً بأخذ التزامات قرار 1701 على محمل الجد، ففي ظل الحكومات المتعاقبة في بيروت، لم يُمنح الجيش اللبناني التوجيه السياسي (والغطاء) أو الدعم المالي  للانتشار في الجنوب. لذلك يمكن لمجلس الأمن أن يطلب من اليونيفيل أن تضع مع بيروت خطة محددة وقائمة متطلبات الموارد وجدول زمني للوفاء أخيراً بالتزام انتشار القوات المسلحة اللبنانية في الجنوب.

وفي الختام تحدث فيلتمان عن ضرورة استمرار اليونيفيل في مراقبة الانتهاكات الإسرائيلية للأجواء اللبنانية والإبلاغ عنها على أساس أنها بالفعل تشكل انتهاكاً للقرار 1701، وأشار إلى أن ذلك ينطبق أيضاً على الاحتلال الإسرائيلي لقرية الغجر. واعتبر أن الجهود المنسقة من واشنطن لتعزيز فعالية اليونيفيل مع مطالبة الأمم المتحدة بتنفيذ ما اقترحه أمينها العام، يمكن أن يساعد في الحد من الانتهاكات من قبل جميع الأطراف، الأمر الذي يستحق بالفعل الاستثمار.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024