التقرير اليومي: أدوية سرطان فاسدة في مستشفى الحريري؟

خضر حسان

الأربعاء 2017/08/02

دأبت السيدة م.ب، رئيسة قسم الصيدلة في مستشفى رفيق الحريري الحكومي، في بيروت، على بيع "كمية كبيرة من الأدوية السرطانية الموجودة في المستشفى والمقدمة من وزارة الصحة العامة، واستيفاء ثمنها بمئات ملايين الليرات لمصلحتها الشخصية، واستبدالها بأدوية أخرى غير فعالة وفاسدة، ومنتهية الصلاحية، واعطائها لعدد كبير من المرضى المصابين بالسرطان ومعظمهم من النساء والأطفال، من دون علمهم. ما حرمهم فرص الشفاء، أو تسبب بوفاتهم"، وفق ما جاء في بيان الهيئة العليا للتأديب، التي أصدرت حكماً، الأربعاء في 2 آب، بعزل م.ب.

وبناءً على الحكم، يؤكد نقيب الصيادلة جورج صيلي، في حديث إلى "المدن"، أن النقابة "ستشطب اسم م.ب من سجلاتها، وتمنعها من مزاولة المهنة"، مشيراً إلى أن "النقابة لم يكن بإستطاعتها، وفق القانون، شطبها من سجلاتها قبل صدور القرار القضائي".

لم تكن م.ب وحدها المتورطة في القضية. فوفق الهيئة، فإن "عدداً من الموظفين والأطباء قاموا بمساعدة رئيسة قسم الصيدلة على ارتكاب مخالفاتها وجرائمها، ولم يلقوا العقوبة اللازمة بعد، ولا يزالون في وظائفهم. ما دفع الهيئة العليا للتأديب إلى طلب التوسع في التحقيق معهم".

هذه الفضيحة تعود إلى العام 2008، لكن الحكم القضائي صدر في العام 2017. وهنا تُطرح أولى علامات الاستفهام. وبعد اكتشاف القضية، أستُبعدت م.ب عن عملها في المستشفى، من دون اتخاذ أي اجراء قضائي بحقها، أو حتى شطبها من نقابة الصيادلة. وهنا علامة استفهام أخرى. أما التساؤل الأبرز فهو حول فريق العمل المساعد، المتورط في الفضيحة، الذي تابع عمله بشكل طبيعي في المستشفى. فمن الذي غطّى هذه الفضيحة؟

تشير مصادر مطلعة على الملف، في حديث إلى "المدن"، إلى أن "القضية نامت في أدراج القضاء لفترة طويلة، بفعل الضغوط، ونظراً لتورط رؤوس كبيرة في الملف". وتؤكد المصادر أن م.ب كانت قد رفعت "كثيراً من الشكاوى إلى إدارة المستشفى السابقة، حول عدد من التجاوزات والمخالفات، التي يتورط فيها موظفون وأطباء، لكنها لم تجد تجاوباً. ما يسلط الضوء على وجود قطبة مخفية حول سبب تحريك الملف اليوم".

وإذا كانت م.ب متورطة فعلاً، وأستبعدت من عملها، فلماذا حماها القانون وسمح لها بمزاولة مهنتها؟ وإن كان تورطها لم يُثبت رسمياً، فلماذا عزلت من منصبها؟ وللمفارقة، عزلت وحدها من دون توجيه أي اتهام لموظفين وأطباء آخرين.

وترتبط هذه الفضيحة بملف الأدوية التي تنتشر في السوق من دون رقابة. فالمتورطون إستفادوا من فوضى سوق الأدوية لتبديل الأدوية الأصلية بأدوية مجهولة المنشأ والتركيبة الكيميائية. وترى المصادر أن "هناك مافيات في سوق الدواء، تشبه تماماً أي مافيا تتاجر بالمخدرات أو تعمل في تهريب السلع. وهذه المافيات لديها من يحميها في الدولة، ولديها علاقاتها السياسية والأمنية والقضائية. وهذا ما منع تتبّع مصادر الأدوية الفاسدة منذ اكتشاف القضية، ومنع ملاحقة المتورطين الآخرين".

وتعتبر المصادر أن فضيحة من هذا النوع كان من المفترض أن تشهد "جملة من الاستقالات، تبدأ بالمدير العام لمستشفى الحريري، مروراً بوزير الصحة، وصولاً إلى الحكومة، خصوصاً في حال ثبوت وفاة مرضى سرطان نتيجة اعطائهم أدوية فاسدة. لكن الاستقالة وتحمل المسؤولية تُحوّل إلى تستّر ومماطلة في اصدار القرارات".

لم يستقل أحد، ولم يفتح الملف بشكل واضح وصريح حتى الآن. فكل ما بات معلوماً هو تأكيد الفضيحة، والتستر على المتورطين ومن يحميهم. ووسط النقاط السوداء التي تنتشر في القضية، تبقى نقطة بيضاء تُثلج قلب المرضى، وهي خلو مستشفى الحريري، حالياً، من أي أدوية فاسدة، وفق ما تؤكد المصادر، التي تشير إلى ضرورة عدم الربط بين الفضيحة التي حصلت منذ 9 سنوات وبين واقع المستشفى اليوم.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024