فيلم وكُتيّب الحريري في 14 شباط: "مين عطل البلد؟"

جنى الدهيبي

الإثنين 2020/02/10
ثلاثة أيامٍ تفصل اللبنانيين، وتحديدًا جمهور تيار المستقبل، عن الذكرى السنوية الـ15 لاغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري (14 شباط 2005). وفي العام 2020، لا يشبه إحياء هذه الذكرى أيّ عامٍ سبقه، على مختلف المستويات: سقوط التسوية الرئاسية التي عقدها التيار مع العهد، خروج سعد الحريري من الحكم، انهيار لبنان اقتصاديًا وماليًا وسياسيًا، والحدث الأهم، ثورة 17 تشرين الأول 2019، التي وجهت صفعة مدوية لكلّ أركان السلطة، بمن فيهم تيار المستقبل، وأسقطت حكومة الحريري. فأصبح هذا اليوم مفصليًا في تاريخ لبنان، وما قبله لم يعد حتمًا كما بعده.

يوم الاثنين، وفي اجتماع كتلة "المستقبل النيابية" في بيت الوسط، مهّد الرئيس الحريري لنوعية خطابه المنتظر في ذكرى 14 شباط، الذي يروّج له التيار الأزرق أنه سيكون "خطابًا مفصليًا". قال الحريري أنّ نقل الاحتفال بهذه الذكرى، من قاعة البيال في بيروت كما جرت العادة، إلى "بيت الوسط"، لتكون "رسالة إلى من يحاول تسكيره، وهم نفسهم الذين حاولوا إنهاء رفيق الحريري وفي ناس بتعطي one way ticket وهني مش قدها". كما وجّه سهامه إلى التيار الوطني الحرّ، ولكلّ من ينتقد "الحريرية السياسية" بالقول: "اعطوني إنجازًا واحدًا خلال ثلاثين سنة للتيار الوطني في الاقتصاد الوطني".

تحضيرات للمعارضة!
الحريري الذي ينكب على إعادة ترميم تياره بعد خروجه من جنّة السلطة، "ما رح يكون عندي شغلة ولا عملة إلا التيار وتنظيمه وتحسينه"، يجاهر بانتقاله إلى "المعارضة البناءة"، وليس إلى "المعارضة الهدامة"، وفق وصفه، وهو ما دفع كتلته إلى اتخاذ قرار المشاركة الثلاثاء في جلسة مجلس النواب، من دون التصويت بالثقة للحكومة.

قبل أيّام، نشر تيار المستقبل عبر مواقعه وصفحاته الإلكترونية، سلسلة فيديوهات قصيرة، تحت شعارات "مين عطل البلد لولد الولد؟ مين المسؤول؟ مين (أبطال) الفراغ بالسنين والشهور والأيام؟ من وصّل البلد للانهيار من نهار لنهار؟"، ويختم كلّ فيديو بعبارة "الجواب بـ 14 شباط" بالوثائق والأرقام، بالصوت والصورة.  

وفي السياق، يشير مصدر قيادي في "تيار المستقبل" لـ"المدن"، أنّ برنامج إحياء ذكرى 14 شباط سيكون حافلًا واستثنائيًا، بعرض "فيلم وثائقي" طويل نسبيًا، بدأوا تحضيره منذ مدّة، وهم يروجون له عبر هذه الفيديوهات القصيرة. وهذا الفيلم، "سيكون مستندًا إلى كُتيّب أعدّه التيار، لوضع النقاط على الحروف، بوجه كلّ من يشنّ حملة شعواء وظالمة على الحريرية السياسية".

وبعد احياء الذكرى، سيصبح الكتيّب بمتناول الجميع، وهو يفنّد بالأرقام والوثائق والوقائع كلّ السياسيات الموضوعة منذ 30 عامًا. و"بينما يستعيد التيار الوطني الحرّ وحلفاؤه الخطاب الممجوج ضدّ الحريرية السياسية"، وفق المصدر، فـ "إنّ هذا الكتيّب يظهر مسؤوليات كلّ الذين تعاقبوا على الحكم، في ملفات الدين العام والكهرباء، وكلّ ما يتعلق بإدارة الدولة". كما "يكشف إنجازات حكومات الرئيس الحريري من الأبّ إلى الابن، وقيمة الدين العام فيها، وانجازات حكومات "الآخرين" وكلفتها على الدين العام، ويظهر مسلسل التعطيل من أيام الرئيس الراحل حتى اليوم، وكيف تعطل باريس 1 وباريس 2 ومن يتحمل مسؤوليات الفساد في ملفات الكهرباء والنفط، وأمور كثيرة أخرى".

خطاب من دون عون وضده
وعن خطاب الرئيس الحريري، يشير المصدر أنّه سيكون "خطاباً مفصليًا" مبنيًا على مقاربات نقدية، سياسية وتنظيمية، تستند إلى ثوابت "الحريرية الوطنية" وقيمها، وتؤسس لرسم خريطة طريق تيار المستقبل لمواجهة التحديات المقبلة، بناءً على تطورات ما بعد 17 تشرين الأول، و"لا سيما على صعيد التسوية الرئاسية التي انقلب عليها العهد".

في 14 شباط، يحشد "تيار المستقبل" لـ"الهجوم السياسي"، انطلاقًا من معطى سقوط التسوية الرئاسية التي عقدت منذ ثلاث سنوات، و"التي دفع الحريري في سبيلها من رصيده السياسي والشعبي، وما تبعها من سياسيات تعطيلية وكيدية".

وتأكيدًا على سقوط التسوية الرئاسية، كان لافتًا، وفق المعلومات، تعمّد الرئيس الحريري عدم توجيه دعوة لرئيس الجمهورية ميشال عون لحضور إحياء ذكرى 14 شباط، كما أنّ "تيار المستقبل" لم يوجه دعوة لأحدٍ من نواب وأعضاء "التيار الوطني الحرّ"، ولا لأحدٍ من شخصيات "حزب الله" كما جرت العادة. وأيضًا لم يدعُ التيار رئيس الحكومة الحالي حسان دياب أو أحدًا من وزراء حكومته، فاقتصرت الدعوات على القوى السياسية التي تربطهم معها بعض التوافقات والتواصل الدائم، مثل: الحزب التقدمي الاشتراكي، حزب القوات اللبنانية، حزب الكتائب، الوطنيين الأحرار وتيار المردة.

ومن المتوقع أيضًا، أن يحمل خطاب الحريري، مقاربات نقدية لكلّ المرحلة الماضية على الصعيد السياسي والشعبي. فـ"هذا الخطاب سيكون بداية مسار من المصالحة والمصارحة مع الجمهور، وآلية التواصل والعمل معهم، بعد أن كان أول المعارضين للتسوية الرئاسية".

لكن، وبعد ثورة 17 تشرين، هل سيكون "الجمهور" معنيًا بخطابٍ قد يأخذ بُعد شدّ العصب الطائفي؟ يجيب المصدر: "دعونا ننتظر 14 شباط حتى نرى ونلمس ما سيقرره الناس. وبالتأكيد لن يلجأ الرئيس الحريري إلى أيّ خطاب يشدّ فيه العصب الطائفي في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة، وإنّما سيردّ بخطاب وطني، وتحديدًا على العهد الذي يستمر باستفزاز الشارع واللبنانيين بتسعير نوابه للخطاب الطائفي والفتنوي والمناطقي".

تطورات 17 تشرين، ستكون حاضرة بقوة في الخطاب المنتظر، وفق المصدر، "لا سيما أنّ الرئيس الحريري هو أول من استجاب لصوت الثورة وأسقط حكومته في وقت لم تستطع الثورة أن تلامس هدفًا آخر من الأهداف التي رفعتها، لا بل على العكس، لقد أمعن العهد في بطشه، بعد أن استجاب الحريري باستقالة حكومته. والخصم الحقيقي للثورة هو العهد الذي يمارس منذ 17 تشرين حتّى اليوم، انكارًا غير مسبوق وتجاهلًا لمطالب الناس، وهو ما ترجمه بالشكل والمضمون، في تشكيل الحكومة المحاصصة واللون الواحد التي ألفها كلّ من جبران باسيل وجميل السيد".

وثيقة التيار السياسية
في الواقع، حالة الضياع والتقهقهر التي يعيشها "تيار المستقبل"، ماليًا وسياسيًا وشعبيًا، هي تاريخية في مساره الذي بدأ من أيام الرئيس الراحل رفيق الحريري. وخروج التيار من السلطة أخيرًا، لم يكن إراديًا، وإنّما كان مجبرًا بمنطق الخاسر والمهزوم من الخصوم والحلفاء وفي الشارع. فماذا بقي من "الحريرية السياسية" التي يستشرس التيار في الدفاع عنها؟

يعتبر عضو المكتب السياسي في "تيار المستقبل" الدكتور مصطفى علوش، أنّ مبدأ "الحريرية السياسية" قائم على تأمين الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في البلد. والفكرة الأساسية تستند إلى نوع من الليبرالية السياسية المطعمة بالتكافل الاجتماعي، وقد قام عليها مفهوم الحريرية، بالإضافة إلى تفهم الواقع اللبناني والحفاظ على التنوع والاستفادة منه، وجعل لبنان نقطة وصل بين الحضارات والثقافات المتنوعة".

"لم يتغيّر شيء بالنسبة لنا"، قال علوش لـ"المدن"، مؤكدًا أنّ الواقع القائم لا يلغي المبادئ. لكن هذا الواقع، "فرض تغييرات جذرية ووضع مكون أساسي لتيار المستقبل في موقع الاستهداف على المستوى المذهبي".

وفي هذه  المحطة الصعبة من محطات "الحريرية السياسية"، وفي ظلّ كلّ ما تواجهه من تحديات وهجوم، "علينا أن نعيد تصليب عود الناس ومدّ اليد لهم، وأن لا نفتح أيّ مجال بالذهاب إلى المنطق الأكثر تطرفًا وتعصبًا وانطوائية، لأن التطرف والتعصب لا يواجهان بالتطرف والتعصّب، لا بل بمزيد من الانفتاح على المستوى الوطني"، أضاف علوش.

يعترف علوش أنّ ثورة 17 تشرين، ضربت كلّ القواعد المتحجرة التي قام عليها النظام اللبناني منذ عشرات السنين. وانتقال "تيار المستقبل" إلى جبهة المعارضة، "ليس لركوب موجة الثورة، وإنّما لنؤكد أنّ أساس مفهوم الحريرية السياسية هو ما يطالب به الناس". قال: "وهذه مهمة صعبة وشاقة، خصوصاً أن تيارنا على مستوى ممارسة الحكم دخل في الكثير من الصفقات الخاطئة، ويتحمل وزر كثيرٍ من الاتهامات، بعضها محق، ما يجعل الأمر يحتاج إلى طرح شفاف وإفساح المجال لشخصيات صادقة نستعيد معها ما خسره التيار".

الخصم الأول لتيار المستقبل، وفق علوش، هو ما يسميه بـ "ائتلاف السلطة" الحاكم حاليًا، ضدّ إرادة شريحة واسعة من الشعب اللبناني. والمهمة الأولى للمستقبل، "هي بإصلاح تيارنا، الذي يعاني من شوائب كبيرة، وجمع المعارضة على مواقف واضحة، لا سيما أنّ التفاهمات التي يعمل عليها التيار مع الحريري، ستؤدي إلى تغيير جذري بعدة الشغل".

ختم علوش بما قاله حرفيًا للرئيس الحريري: "إذا لم يتغيّر تيارنا بشكل جذري وثوري على المستوى الحزبي والتنظيمي، وعلى مستوى التحالفات السياسية والخطاب السياسي والشعبي، فالأفضل لنا ولكوادنا أن نعود إلى منازلنا، لأنّ هذه فرصتنا الأخيرة".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024