عبور الأزمة على جثث اللبنانيين.. برعاية حزب الله

مروان حرب

الإثنين 2020/07/06

ما زالت مكونات المنظومة السياسية تعتقد أن المواطنين الذين خسروا شقاء تضحياتهم، وتبخرت أحلامهم، سيتركونهم يتمتعون بجريمتهم، والعيش من عرق جبين غيرهم. حكومة تتعنت وتعمّق بعجزها شدة معاناة الشعب. وأحزاب خارج الحكومة تشاهد فصول تراجيديا مأساوية كتبتها بأياديها. الجميع ينتظر أن تمتلئ هوة الأزمة بجثث اللبنانيين، يدوسون عليها ويعبرون سالمين. يراهنون على تخبط الناس وإيهامهم بأنهم مهما رفعوا الصوت وضحوا لن يتمكنوا من تحقيق أي من مطالبهم، وأن الخروج عن بيت الطاعة ثمنه الخراب. على اللبنانيين الهلاك مبتسمين، لأن لبنان بلد خيبة الشعوب، وجنة الزعماء. 

السؤال الجوهري الذي لا يمكن أن تستدركه المنظومة السياسية وأن تجيب عليه: كيف يمكن لهذا الشعب، الذي لم يعرف غير فشل النظام الساسي الحالي، أن يطالب بحقه بهذا الشكل الحضاري وأن يتخطى هيمنة زعماء لم يعرف غيرهم؟ كيف أدركت مجموعة كبيرة من الناس أن عليها أن ترفع الصوت سوياً، من دون أي تحضير وأي تنسيق مسبق؟ النظام أصبح غريباً عن الشعب. نظام ينتج الطائفية والتفرقة، وشعب يهتف بالوطنية والتضامن الإنساني. الشعب قرر استعادة حريته، في وقت المكونات السياسية لا يمكنها أن تعي معنى الشعب الحر. لم تؤدي الحرية يوماً إلى تشكيل خطر على أي مجتمع، لكنها خطر دائم على الحاكم.

مسؤولية المواطن
الحرية ليست مرتبطة لا بالدستور، ولا بالحكومة ولا بالسلطة، ولا بالقضاء، ولا بأي جهة أخرى. إنها حق طبيعي وأساسي وجوهري للإنسان يسبق قيام الدولة. القوانين تحمي الحرية ولا تمنحها. وأخطر أنواع قمع الحريات هي قمع حرية التعبير عن الألم، عن الخوف وعن خيبة الأمل. قمع حرية الصراخ من الوجع. وحيث تُقمع حرية التعبير عن الألم تبدأ الديكتاتورية. في النظام الديكتاتوري يمكنك التعبير عن الفرح والسعادة، ولكن ليس عن الألم.  

الشعب اللبناني أدرك أنه ليس واقعياً ولا منطقياً أن يقارب الإفلاس والانهيار وعدم الانتاجية كأنه شيء غريب عنه. بالعكس، أيقن أن هذه الأزمة خطيئة ارتكبها بحق نفسه، وعليه وحده أن يعالجها. لا يمكن لوم السلطة على كل شيء، ليس لأن ذلك غير مجدٍ، بل لأن ذلك يتنكر لمسؤولية كل مواطن لبناني بمواجهة الأزمة.

الصّراع الحقيقي اليوم ليس بين شعب يريد أن يستعيد حريته وكرامته وبين سلطة متفسخة أفلست بلد بكامله. الصراع الحقيقي بين الشعب وبين من يحمي هذه المنظومة السياسية من السقوط. مهما تغيرت الوجوه، من يحمي المنظومة الحاكمة هو حزب الله. أكبر دليل على ذلك، هو أن 17 تشرين حاولت تحييد السلاح عن مطالبها. لكن حزب الله وعناصره وحلفاءه اعتدوا على الناس، حطموا الممتلكات، وأطلقوا شياطين الفتنة الطائفية في الشوارع. قالها حزب الله وأكدها لمن يحاول إنكارها، أي محاولة للتغيير في لبنان ستصطدم بسلاحه.

إما الإصلاح أو الدمار
سبب الأزمة سياسي بالدرجة الأولى، ومعالجتها لا يمكن أن تكون إلا سياسية.
هذه سلسلة الأحداث: أدت الأزمة المالية إلى أزمة اقتصادية، التي أدت إلى أزمة سياسية.
وهذه سلسلة الأسباب: أدت الأزمة السياسية إلى أزمة اقتصادية إلى أزمة مالية، فانهيار نقدي.

هذه حقيقة الواقع، ومن يحاول من جهات سياسية وأحزاب تدعي مساندة الانتفاضة المطالبة بتحييد سلاح حزب الله، هي محاولة خبيثة لتضليل الناس. إن انتفاضة 17 تشرين كانت لتُسقط منظومة حكمت لبنان منذ عقود من الزمن، لو لم يمنع سلاح حزبٍ سقوطها. كان لبنان ليدخل في نهضة الربيع العربي وأن يسير على خطى تونس، مثلاً.

سلاح حزب الله حال دون قيام ثورة سياسية تاريخية حقيقية في لبنان. ان لم تعِ انتفاضة 17 تشرين أنها قامت بإنجاز عظيم تجسد في استعادة حرية الشعب، وأن عليها الآن أن تواجه سبب الأزمة السياسي.. وإن لم تدرك أن السلاح غير الشرعي يحمي سلطة تقود لبنان إلى الدمار، فلن تتمكن من تقييدها ومن إجبارها على الإصلاح. كل الخطط والإجراءات والخطابات إن لم تعالج سبب الأزمة لن تجدي نفعاً.. خصم الشعب اللبناني اليوم هو سلاح حزب الله، الذي بزعمه حماية لبنان، يحمي طبقة سياسية تنتظر أن يتهاوى الشعب جثثاً.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024