نبيل الخوري
ويتعلق الأمر بخطأ وفقاً للمعايير الحقوقية. فمنع مواطن من الإقامة والسكن في منطقة مسيحية فقط بسبب انتمائه للطائفة الشيعية، هو خطأ لأنه يكرس تمييزاً مخالفاً لأبسط حقوق المواطن اللبناني، حتى ولو جرى تبريره بمخالفات أخرى، معهودة لكن مرفوضة. وهذا خطأ ارتكب في منطقة الحدت منذ عدة أيام.
كما يتعلق الأمر بخطأ وفقاً للمعايير الطائفية. ذلك أن توجيه خطاب سياسي يذكّر بويلات ومصائب الحرب الأهلية الطائفية، ليس في اجتماع حزبي روتيني، بل خلال جولة سياسية إلى المنطقة التي وقعت فيها تلك الويلات والمصائب، يُعتبر أيضاً بمثابة الإخلال بالأمن، لأن من شأنه أن يثير حتماً النعرات الطائفية، وأن يزعزع بالتالي الاستقرار والسلم الأهلي. ناهيك عن أن تبني هذا الخطاب يأتي في سياق خطوات سياسية متسارعة، يُراد منها نسف التوازن السياسي الطائفي القائم في الجبل. وكل هذا يمثل خطأً في بلد يجب أن تُعطى فيه الأولوية للحفاظ على التوازن، ولتعزيز المصالحة الوطنية بعد الحرب، ولتنمية ثقافة الانفتاح وتقبّل الآخر، بعيداً عن أحقاد الماضي التي كانت عواقبها كارثية على الجميع.
اليوم، تنطبق نظرية الخطأ المقصود بالضبط على زعيمين. هما جبران باسيل ووليد جنبلاط. لدى كل منهما حساباته وغاياته. ويبدو أنهما لا يجدان سبيلاً لتحقيقها إلا بواسطة الأخطاء المقصودة. ممارساتهما لا تعني شيئاً آخر سوى فبركة المناخ الملائم لتعزيز وضعية وشعبية كل منهما في صفوف طائفته. جنبلاط يقوم بذلك في إطار رد الفعل ضد محاولات تحجيمه سياسياً داخل طائفته، وعلى الصعيد الوطني. وباسيل يقوم بذلك في إطار محاولات تهدف لتعزيز حجمه السياسي مسيحياً ووطنياً.
اللعبة الطائفية
هذا المناخ لا يتوفر إلا بمناورات خطابية، وباستعراض قوة في الميدان. فجبران باسيل يتمسك بخطابه السياسي الطائفي، مستدرجاً زعيماً مثل وليد جنبلاط وغيره إلى رد الفعل، وإلى مهاجمته. ويمارسه في الحكم، لا سيما في ما يتعلق بالإدارة والتعيينات، بشكل يعطي الانطباع بأنه يثأر من خصوم الأمس، أي بعض (وليس كل) أولئك الذين استفادوا من حقبة الوصاية السورية على حساب تهميش المسيحيين، ما يثير اعتراض الخصوم وينمّي مشاعر العداء ضده لدى أنصار هؤلاء، مثل أنصار جنبلاط. في المقابل، يوجّه وليد جنبلاط انتقادات كلامية حادة إلى باسيل، بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي. ثم يترك أنصاره يقطعون الطريق أمام جولة باسيل في الجبل، فيرد عليه الأخير بهجوم مضاد، كاتهام جنبلاط بالإفلاس السياسي. والنتيجة تكون أيضاً بإثارة غضب جمهور وأنصار "التيار الوطني الحر" ضد جنبلاط. والعكس بالعكس.
إصرار هذين الزعيمين على هذه اللعبة السياسية الطائفية، يعني أنهما يتمسكان، بحكم الواقع، بأفعال خاطئة، لأنها مربحة لهما في منظور الربح الطائفي الضيّق. ويدل على أن كل منهما ينتظر بفارغ الصبر انتقاد الآخر له. فيغدو الانتقاد أو الشتيمة هدية سياسية وليس صفعة. وهذا الإصرار يظهر أنهما لا يريدان بذل أي جهد جدّي لوضع حد للانقسام السياسي والأهلي العبثي. ويشير إلى أن كل منهما لا يكترث إطلاقاً إلى رأي مواطني الطائفة الأخرى به. لا بل إن سُخط هؤلاء منه وحقدهم عليه باتا وكأنهما ضرورتان لنيْل رضا مناصريه وزيادة محبيه وأتباعه في أوساط طائفته، خصوصاً المتزمتين والمتشددين. وكأنهما استسلما لمعادلة الصراع الطائفي والمذهبي الذي يجرف منطقة الشرق الأوسط، بدلاً من التفتيش عن مصادر التلاقي بين "الحزب التقدمي الاشتراكي" و"التيار الوطني الحر". تلاقٍ يمكن بناؤه على أسس علمانية، من المفترض أن كلا الحزبين يؤمن بها، وهو ما يجنّب البلاد والمواطنين أجواء احتقان ومآسٍ، كتلك التي وقعت في الجبل أخيراً، والتي من الممكن أن تتكرر لاحقاً إذا تمسك الزعماء بسياسة الأخطاء المقصودة.