الحريري يواجه الرؤوس المستقبلية الحامية

منير الربيع

الأحد 2017/07/16

آراء عدة ومتضاربة تسود في تيار المستقبل. الاختلافات الواضحة أحياناً في وجهات النظر بين قيادات التيار الأزرق، تحسب لمصلحة الديمقراطية والتنوّع فيه، وهذا ما يعتبره الرئيس سعد الحريري غنى للتيار، ولكل المنضوين تحت لوائه، كما يعتبره نقطة قوة، لأنه يسمح للمواطن سواء أكان ملتزماً أم مناصراً باتخاذ الموقف الذي يريده. لا يخلو هذا التغنّي من الغمز من قناة الأحزاب السياسية الأخرى التي ترفض أي اختلاف في الرأي، وتؤدي بالمحازبين إما إلى الإنشقاقات وتقديم الإستقالات، أو إلى المحاكم التأديبية.

في كل محطة من المحطات السياسية، لا بد أن يخرج التفاوت في التقديرات السياسية لكل خطوة يتخذها رئيس التيار إلى العلن. أبرز التجليات خلال وجود الحريري في بيروت، كانت مع خيار دعم ترشيح ميشال عون لرئاسة الجمهورية. في تلك الفترة كان أكثر من خمسة نواب يعارضون ذلك، ورغم خيارهم هذا حضروا خلال إعلان الحريري قراره السير بالتسوية الكبرى، وعلى رأسهم كان الرئيس فؤاد السنيورة.

كل اللقاءات المعلنة وغير المعلنة التي يعقدها التيار، تتحول إلى جلسات عصف فكري وسياسي، من اجتماع الكتلة النيابية، إلى الاجتماعات السياسية الكبرى التي تضم أبرز السياسيين والصقور في التيار، يستثنى هنا المكتب السياسي، لأنه لا يخرج عن الطابع الإجرائي في التصديق على قرارات معينة، ولا يشهد إلا في أجزاء بسيطة وعبر شخصيات محددة وقليلة نوعاً من النقاش السياسي المعمّق. أما الأساس فيبقى في الاجتماعات غير المعلنة، التي تنعكس أحياناً اختلافاً في الرأي، كما حصل قبل أيام بين الوزير نهاد المشنوق والنائب عقاب صقر.

وفيما يضم تيار المستقبل نماذج سياسية مهادنة وتسووية تفضّل إتخاذ القرار بأقل الخسائر وتحرص على حضور التيار كصانع للسياسات وشريك فيها، يضم رؤوساً حامية تصرّ على اعتماد لغة التصعيد السياسي، بهدف شدّ العصب، وتثبيت الوجود عبر تأكيد الحفاظ على الثوابت السياسية، التي أساسها استمرار المواجهة مع حزب الله ومناصرة الثورة السورية.

هناك أطراف في التيار تصر على التذكير دوماً بضرورة إنسحاب حزب الله من سوريا، وتسليم سلاحه وكل هذا النوع من الخطاب القديم، فيما يفضّل آخرون الإقلاع عن ذلك، وعدم ذكره، خصوصاً في ظل وجود الحريري على رأس حكومة تضمّ الحزب وحلفاءه. قد يعتبر أحدهم أن هذا يندرج في سياق توزيع الأدوار، إذ إن المشنوق يتخذ القرارات والمواقف السياسية الواقعية والقابلة للتحقق، فيما يتخذ صقر مواقف أخرى، هدفها تثبيت المناصرين وإعادة استقطاب المبتعدين، على أبواب الانتخابات النيابية.

بالنسبة إلى الحريري فإن الرأيين سيان، وهو لا يتوانى عن رفع كل خيار في يد، التسوية والتهدئة والسياسة الواقعية في يده، والمواجهة والتصعيد في اليد الأخرى. لكن، لا شك في أن هناك اعتراضات كثيرة يتعرض لها الحريري من قبل قيادات مستقبلية ومناصرين، يعتبرون أنه وفّر الشرعية لحزب الله، وأنه تنازل عن الثوابت لمصلحة وجوده في رئاسة الحكومة. يأخذ الرجل الكلام بصدره، وأحياناً يفضّل عدم التعليق، لكن حين يعلّق يقول: "فلنكن واقعيين، حزب الله فريق أساسي في البلد، ولا يمكن لأحد أن يلغيه أو أن يكون على خصومة معه، ولا يمكن للقائد السياسي أن يكون أسير موقف، أو أسير جمهوره، لأنه سيخسر في النتيجة، خصوصاً أن السياسة تختلف عن الشعبوية". وأكثر من ذلك، فإن الفتوى لسلاح حزب الله ونشاطه موجودة لدى الحريري، وهو أعلنها سابقاً، بأنها جزء من أزمة إقليمية كبرى تتخطى لبنان، ولا يمكن حلّها إلا بإيجاد حلّ لهذه الأزمة المتفاقمة والمعقّدة، والتي أطاحت بثلاث دول أكبر وأثبت من لبنان.

وحين تُوجّه إلى الحريري أسئلة، عن أحوال الطائفة السنيّة في لبنان، وعن التراجعات التي تسجّلها قياداتها، يجيب سريعاً: "يجب النظر إلى المسائل من رؤية أوسع. فأي وضع أفضل للسنة، في سوريا أم في العراق، أم في لبنان؟". بالتأكيد يخلص إلى الإجابة بأن وضع السنة في لبنان هو أفضل، خصوصاً لدى المقارنة بين الدور الذي يلعبونه هنا مقارنة مع عددهم نسبة إلى أعداد المذاهب الأخرى، وبين التهميش والإضطهاد في الدول الأخرى".

في قراءة الحريري، فإن ما يمكن تحقيقه عبر السياسة والمهادنة، سيكون أكثر بكثير مما يمكن أن يتم الحفاظ عليه في المواجهة. المواجهة العسكرية مستحيلة، وإن حصلت فلن تكون متكافئة. وكذلك المواجهة السياسية، لن تكون متكافئة في ظل وجود سلاح، وفي ظل التوازنات السياسية الحالية. وفي الحالين، فإن السنّة سيخسرون. لذلك، يعتبر أنه لا بأس من تقديم تنازلات معنوية أو شكلية، وقاسية أحياناً. وفي مقابل ذلك، فإن السنة حاضرون بقوة في كل الاستحقاقات ولا يمكن إستثناؤهم.

هذا بالنسبة إلى قراءة التوازنات الداخلية، أما بالنسبة إلى قراءة الأوضاع الإقليمية، فهناك من يعتبر، أنه لا يمكن تحميل مسؤولية كل التراجع للمحور الذي ينتمي إليه. لذلك، لا داعي للمواجهات العبثية في لبنان، فيما ستأتي الظروف الإقليمية والدولية فيما بعد برياح معاكسة. وهذا كان السبب الذي أظهر حجم التراجعات الفادحة التي حصلت في السنوات الماضية. يخرج الحريري اليوم، بتوجهات ورؤى سياسية جديد، أساسها ينطلق من عدم الردّ على الرؤوس الحامية أو الانصياع لها، وترتكز على مبدأ تلقف الأجواء والموازين الدولية، لا أن يحاول معاندتها أو صناعة نقيضها، كي لا يمنى بالخسائر فيما بعد ويضطر إلى التراجع أكثر. هذه التجربة اكتسبها الحريري في عشر سنوات مضت، وهو لا يريد أن يعيد الكرّة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024