انجازات السلطة في الأمن: بادر وماينهوف وقاتل حسين العطّار

نادر فوز

الخميس 2020/05/14
في الساعات الماضية، أطلق القضاء سراح منفذَي الاعتداء على مصرف في صيدا. واستعاد الأمن العام اللبناني قاتل شهيدنا حسين العطار من السلطات السورية.

المناضلان عادا إلى منزليهما أحراراً، والعطار في طريقه إلى أخذ حقّه، ولو أنه بات في دنيا أخرى. وكأنّ باباً للفرج فُتح فجأة، بعد سلسلة من النكسات والاستئثار والقمع والاستدعاءات ورفض الاعتراف بالفشل. السلطة تجتمع في هذه الساعات مع وفد من صندوق النقد الدولي، لمراكمة الديون وخنقنا بالمزيد من سنوات العجز والإضرار بخزينتنا. لكنّ هذه السلطة نفسها لا تنفكّ تعلن الانتصارات، ولو كانت بالية من دون قيمة، وفيها ما يكفي من خواء. كأنها حققت إنجازاً في توقيف قاتل صاحب سوابق، أو مناضلين نفذا عملية نوعية تهدّد الأمن القومي وكل ما في وثيقة الوفاق الوطني.

إنجاز التوقيف
وُصّفت لنا السلطة روايتها الأمنية لعملية الإضرار بفرع مصرف فرنسبك في صيدا، بالتفاصيل. رصد، تعقّب، لصق عبوة، 400 أو 200 غرام من الـTNT، تجهيز منزلي، دراسة العملية، مسلكا الوصول والمغادرة، ترك الهاتف في المنزل، السيارة المستخدمة. تفاصيل تزيدنا تشويقاً لاستهداف مصرف أكل حق المواطنين، حجز ودائعهم ومنع عنهم وعن أولادهم دولارات التعليم والأكل والطبابة. تمّت العملية ثم عملت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي على تحديد هوية الفاعلين وتوقيفهما. إنهما وضّاح غنوي ومحمود مرّوة. بادر وماينهوف شخصياً، تقمّصا بعد 43 عاماً واجتمعا صدفةً في صيدا وباشرا أعمالهما الثورية. فوضعا أصبع ديناميت، هو الأصبع نفسه الذي غنّى له خالد الهبر في سبعينيات القرن الماضي، لكن لإشعاله على باب مصرف وليس جريدة هذه المرة.

إخفاق أقوى
هل من يذكر أنّ تفجيراً استهدف بنك لبنان والمهجر في 12 حزيران 2016. قدّرت القوى الأمنية حينها أنّ زنة العبوة 5 كيلوغرامات، ولم توقف مسؤولاً واحداً عن التفجير في منطقة تجارية أساسية في بيروت، أقلّ ما يقال عنها أنها أشبه بالمربّع الأمني الرسمي. فالتفجير وقع على بعد 200 متر من وزارة الداخلية، أقل من 450 متراً عن ثكنة بربر خازن، 100 متر عن مخفر الصنائع وأقل من 200 متر عن نقطة دائمة للجيش. وكل شبر في هذه الأرجاء مراقب بالكاميرات أو العيون المحدّقة لشبان بجيليهات سوداء مخطّط عليها أسماء الأجهزة الأمنية. ذلك التفجير لم يلزم السلطة وأجهزتها بإصدار بيان مفصّل عن العملية، وبالطبع لم يكن من داعٍ لرواية بوليسية بطولية، تدور أحداثها المملة حول إخفاق أمني وسياسي في كشف كامل الملابسات المتعلّقة بها. فالقوى الأمنية، وسلطتها، قادرتان على ملاحقة بارود أصبع ديناميت واحد، لكن كيلوغرامات "المواد المتفجرة" الأخرى عصية على الذكر.

قاتل الشهيد
أقدم المدعو خليل عواد على قتل حسين العطار يوم السبت 19 تشرين الأول 2019. وفي 13 أيار 2020، أعلنت المديرية العامة للأمن العام "نتيجة التقصّي والمتابعة وبالتنسيق مع ​السلطات السورية​ المختصة، أنها استلمت اللبناني (خ.ع) مواليد 1986 المطلوب بعدّة مذكرات توقيف والمتهم بجريمة قتل اللبناني (ح.ع) إثر إشكال وقع بينهما على ​طريق المطار​ بتاريخ 23/10/2019". حتى تاريخ الجريمة غير دقيق في البيان. لكن الفضيحة أنّ القاتل فرّ من الأراضي اللبناني، على الأرجح عبر معبر يفترض أنه خاضع للأمن العام. عاجلنا الأمن العام أيضاً برواية بوليسية لكن مختصرة، فيها "تقصٍّ" و"متابعة". لم تحوّله إلى جاك ميسرين، المجرم الأكثر شهرة في تاريخ فرنسا. 7 أشهر لتوقيف قاتل معروف بالاسم والشكل والمذكرات القضائية، فار من البلاد، مقابل 10 أيام لتوقيف صاحبي أصبع ديناميت في صيدا، أمّا عداد تفجير بلوم فلا يزل "يمرّك" السنوات.

تطالعنا السلطة، بمختلف قطاعاتها السياسية والأمنية والاقتصادية، بإنجازات يومية. تريد التأكيد كل ساعة على أنها تعمل، تنجز، تحقّق المستحيل، في حين أنّ واقع الانهيار ونتائج الفشل مكرّسة في يومياتنا أيضاً.

رئيس الحكومة سيصدر كتيّباً يعدّد الإنجازات التي حقّقتها الحكومة منذ نيلها الثقة. فلنقس نمط الإنجازات من هكذا إعلان. ربما لم يدرك الرئيس حسان دياب، ما قاله أمين عام حزب الله قبل أسبوع، إنّ الحكومة وأي حكومة غير قادرة على الإنجاز في 100 يوم. لكنّ دولة الرئيس ومن معه ومن خلفه، يحبّون صورة الإنجازات المختلفة، يحبّون التميّز والتفوّق. تلامذة، يجلسون في الصف الأمامي ويدوّنون كل ما يقوله الأستاذ على اللوح. وفي وقت الفرصة، يذاكرون. نمطهم مملّ وفشلهم مضاعف، وإنجازاتهم مزيّفة. بادر وماينهوف، عكسهم، فيهما ما يكفي من لهو وانشراح.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024