إسرائيل في عهدها "الذهبي" وإيران مخنوقة: خيانات الأسد الصغيرة

منير الربيع

الأحد 2019/04/07

بالنظر إلى الهدايا الثمينة التي تلقاها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قبل أيام قليلة من الانتخابات، أصبح هو صاحب الحظ الأوفر بالفوز. ولا شك أن التوافق الأميركي الروسي، المتجلّي في الملف الإسرائيلي، يؤشر إلى مدى الإنسجام والتناغم حيال ملفات عديدة في المنطقة، خصوصاً أن المرحلة الحالية، هي بكل معنى الكلمة "مرحلة إسرائيل" وكل ما يرتبط بها، من الحدود الجنوبية للبنان إلى الحدود السورية والجولان، ربطاً بصفقة القرن والقدس والضفة. وهذا التناغم يشير إلى الموافقة الدولية التي يحظى بها مسار نتنياهو. ما يعني أنه بعد فوزه سيستمر في مساره.

بقاء الأسد وتنازلاته 
غالباً ما يؤدي هذا النوع من الاتفاقات، إما إلى تسوية كبرى في المنطقة، أو إلى حرب كبرى. ما قبل الانتخابات، رفع نتنياهو لهجته التصعيدية والمترابطة مع العقوبات الأميركية على إيران، وازداد تصميمه مع ترامب لمواجهتها وإضعافها. لكن بعد الانتخابات، سيترقب الجميع إن كان سيستمر هذا التصعيد وصولاً إلى مواجهة فعلية، أم أن ثمة باباً للتفاوض قد يُفتح.

ليس بسيطاً الإعلان الروسي، بعد تسليم رفات الجندي الإسرائيلي، عن طي صفحة السجال حول مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد. وهو ما يعني أن الأسد باق وفق أدبيات الروس. وهذا بلا شك يستند إلى جملة معطيات، أو هو عبارة عن جزء من صفقة، منها أن يقدم الأسد جملة تنازلات، في الجولان وفي تسليم رفات جنود آخرين، مقابل الحفاظ على نظامه. وتشير معلومات متابعة، إلى أن الروس يستمرون في مساعيهم من أجل تسليم الأسد المزيد من الرفات التي يحتفظ بها الجيش السوري لجنود إسرائيليين في المرحلة المقبلة. وهذه لا تنفصل عن ضمانات أخرى على الأسد تقديمها جغرافياً، بما يتصل بالأمن الحدودي لإسرائيل.

إيران المتضررة
هذا التوافق الأميركي الروسي حول إسرائيل، تريد موسكو أن تطبّقه في سوريا. مبدئياً، تنازل الأميركي عن الملف السوري لصالح الروس، باستثناء بعض التفاصيل حول الحل السياسي، واللاجئين، والنفوذ الإيراني، وغيرها من الملفات، كاللجنة الدستورية والمرحلة الإنتقالية وما إلى هنالك. حتّى الآن وفي الظاهر، فإن إيران أكثر المتضررين من عملية تسليم رفات الجندي الإسرائيلي. فهي إما كانت خارج هذا التنسيق والتفاهم، أو أنها كانت على علم به أو أجبرت على الموافقة عليه. وفي كل الأحوال، إيران ستكون متضررة. لو اقتصرت القضية على الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، لكانت إيران أكبر المستفيدين، عبر الاستثمار في خطاب الممانعة والمقاومة بوجه الأميركيين والعرب دفاعاً عن القضية الفلسطينية. أما أن يدخل الروس إلى "بازار" إسداء الخدمات للإسرائيليين، فإن ذلك سينعكس سلباً بشكل أو بآخر على طهران، خصوصاً في ظل الضغط الأميركي عليها، والذي يتجه إلى خنقها أكثر اقتصادياً.

تشبه الحالة الإيرانية وحالة حزب الله في سوريا في هذه المرحلة، أي مرحلة اللاحرب واللاتسوية، حالة "الجبهة اللبنانية" في السبعينيات، حين دخل الجيش السوري إلى لبنان بذريعة الدفاع عن المسيحيين، لكنه ما لبث أن عمل على مواجهتهم وانقلب عليهم. فأصبح النظام السوري يعمل وفق ما تمليه عليه مصلحته وليس مصلحة الآخرين. الأمر نفسه يتكرر حالياً مع النظام السوري والإيرانيين وحزب الله، الذين اعتبروا أن الدخول الروسي إلى سوريا سيخدم مصلحتهم، بينما الروسي لديه بالتأكيد أجندة ومصلحة أخرى.

أوراق إيران وحزب الله
ليس المقصود هنا العودة إلى الرهان على دخول روسيا في اشتباك مع إيران، أو الضغط عليها لإخراجها من سوريا. هذه الصفحة قد طويت بالنسبة إلى الإيرانيين وحزب الله، ولا يمكن الرهان على مواجهة إيرانية - روسية. لكن المصلحة الروسية هي في مكان لا تتلاقى مع المصلحة الإيرانية. وتجد إيران نفسها مطوقة، ما يفرض عليها البحث عن أوراق قوتها لاستخدامها. ومن بين هذه الأوراق، يبقى ملف الحدود من سوريا إلى لبنان مع إسرائيل، واحتمال التلويح بهز الأمن على طولها. كما لديها أوراق أخرى داخل سوريا، تعزز مكامن قوتها ومناطق نفوذها.. ولديها ورقة الطيار الإسرائيلي رون آراد.

ما يراقبه الإيرانيون والحزب في هذه المرحلة، هو نوع الحكومة الإسرائيلية التي ستنتجها الانتخابات، وإذا ما كانت ستستمر بالتصعيد أم ستنكفئ قليلاً. وفق التقديرات الإيرانية، فإن الإسرائيليين يريدون الذهاب إلى تسوية. وهم غير مستعدين للدخول في حرب طويلة الأمد أو مفتوحة، ويعتمدون على الضغط الاقتصادي الأميركي على إيران، المستمر والمتصاعد وفق كل المؤشرات الحالية. والأكيد أن إيران لن تسكت عن خنقها اقتصادياً، أو عن محاولة ضرب مناطق نفوذها في سوريا. وهذا كلام واضح من قبل الإيرانيين، بأن التسوية التي تُطرح لا أفق لها، ولا يمكن إلا أن تؤدي إلى حرب.

المخطط الجاهز 
في الحديث عن الحرب، تتضارب المعطيات والمعلومات، فالبعض يعتبر أن الأميركيين (والروس) سيمنحون ضوءاً أخضر لنتنياهو، لتوجيه ضربات عسكرية مركّزة للمواقع الإيرانية في سوريا. وهناك من يذهب أكثر من ذلك، متوقعاً أن تطال الضربات أيضاً مواقع حزب الله داخل الأراضي اللبنانية، خصوصاً المواقع التي يعتبرون أنها تحوي الصواريخ الدقيقة والبعيدة المدى. وهذا بالتأكيد من شأنه أن يفرض رداّ إيرانياً قاسياً، قد يؤدي إلى حرب.

وعلى ما يبدو، لا يريد الإسرائيليون الدخول في حرب. هم في أقصى حاجة إلى السلم بهذه المرحلة، مع ظنهم أنهم على مشارف إنجاز صفقة القرن. فأي انفجار على الجبهات أو مواجهة عسكرية واسعة قد يهدد مسار هذه الصفقة. كما أن الوضع الاقتصادي الإسرائيلي لا يسمح بالدخول في أي نوع من الحروب. وهم يراهنون على أثر العقوبات وحدها للضغط على إيران واستدراجها إلى التسوية، على الرغم من أن المفاوضات تحت وطأة الحصار القاسي غير مطروحة لدى الإيرانيين.

وإذا كان هناك من يبحث عن فتح ثغرة بالجدار، فلدى إيران مخطط جاهز لمواجهة أي طارئ، يبدأ بغزة ولا ينتهي في سوريا ولبنان، سواء عبر دعم تحركات احتجاجية فلسطينية، وصولاً إلى حدّ تنفيذ عمليات أمنية، أو عبر إطلاق مقاومة سورية في الجولان، على غرار حزب الله في الجنوب، أو إشعال الحدود من أجل فتح أبواب التفاوض بشروط أفضل ومن موقع غير خاضع أو ضعيف.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024