التكليف الأضعف للحريري: سلطة متفسّخة وثورة مهزومة

نادر فوز

الخميس 2020/10/22
عاد رئيس تيار المستقبل، سعد الحريري، إلى رئاسة الحكومة. منحت السلطة لنفسها الثقة مجدداً لتشكيل حكومة تطرح عنوان الإنقاذ، بعد أن أوصلت هي نفسها البلدَ إلى الانهيار والفشل الذي يعيش فيهما. وعلّ أسرع المواقف الدولية التي صدرت تعليقاً على تكليف الحريري، جاءت من المنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، يان كوبيش، الذي توجّه إلى اللبنانيين بالقول "لا تنتظروا المعجزات من الخارج، من قبيل الانتخابات في بلاد أخرى، أو المانحين الدوليين، الإنقاذ يجب أن يبدأ في لبنان وبواسطة لبنان". وتابع كوبيش تعليقه في تغريدة على تويتر مشيراً إلى أنّ "القوى السياسية التقليدية أخذت مرة أخرى على عاتقها التحرك قدماً، بغض النظر عن إخفاقاتها العديدة في الماضي والشكوك العميقة بشأن المستقبل.. على هذه القوى مساعدة الرئيس المكلف في تشكيل حكومة ذات صلاحيات وفعالة، لبدء تنفيذ الإصلاحات المعروفة". في تغريدة كوبيش، كلمات مفاتيح، توحي بالكثير من دون قوله مباشرة، "لا تنتظروا المعجزات من الخارج"، "الإخفاقات العديدة للقوى التقليدية"، "شكوك عميقة للمستقبل". هي ثقة بلا الثقة بالسلطة ومكوّناتها ومشروعها وقدرتها على إنتاج الحلول. فتكليف الحريري ضعيف جداً، يترجم مأزق الحكم ومن فيه.

الحريري الأضعف
سجّل الحريري، بـ65 صوتاً، رقماً قياسياً في عدد الأصوات النيابية التي سمّته رئيساً. هو الرقم الأدنى لتكليف رئيس للحكومة منذ اتفاق الطائف. الرئيس السابق لحكومة حزب الله والتيار الوطني الحرّ، حسّان دياب، تجاوزه إذ نال 69 صوتاً. وكذلك الرئيس الأسبق نجيب مقاتي في حكومة اللون الواحد عام 2011، نال 68 صوتاً. حتى الرئيس عمر كرامي، في آخر حكوماته عام 2004 تم تكليفه بتشكيل الحكومة بـ82 صوتاً. إن كان ذلك يدلّ على شيء، فعلى حجم الانقسام الحاصل في السلطة نفسها، وعلى عناوين الإصلاح إن وُجدت، وعلى وقوع الحريري في فخّ المشاركة والمحاصصة مجدداً. هو الراغب في تجرّع السموم من يده. وهو المستعجل أيضاً في تشكيل الحكومة، فسارع إلى الاتصال هاتفياً للتشاور مع رؤساء الحكومة السابقين "لدواعٍ أمنية"، حسب البيان الصادر عن مكتبه الإعلامي.

عام ضائع
في مثل هذا اليوم، قبل عام، كان رئيس الحكومة حينها سعد الحريري يستمهل الناس لتقديم استقالته. أعطى لنفسه وللطقم الحاكم مهلة أيام للسير في الورقة الإصلاحية الفارغة، التي تقدّمت بها الحكومة. وسرعان ما فشل على وقع ضغط الشارع، فاستقال بينما كانت مجموعات الشبيحة تجتاح الساحات وتمعن فيها تكسيراً وإحراقاً. حاول العهد، ورعاته، تثبيت رجليه على كرسي الرئاسة ولم يفلحوا. فتعيد السلطة ترقيع نفسها اليوم، بعد عام من التحرّكات والاحتجاجات والإنهيار والإفلاس. ضاع عام كامل على اللبنانيين، وعاد المشهد إلى ما كان عليه قبل 17 تشرين 2019. عاد الحريري، وعادت السلطة وعاد التحاصص. ضاعت فرصة، وضاع الأمل. ومن خلاصات الضياع المؤجل الاعتراف بالهزيمة.

الهزيمة المؤجلة
منذ أشهر، تحوّلت مجموعات الناشطين في 17 تشرين إلى مجموعات صالونات سياسية. مجموعة ترشّح رئيساً للحكومة منفردة، أخرى تشكّل حكومةً كاملةً بلا تشاور ولا تنسيق، ثالثة تحاور السلطة وتهادنها. وبين هذه وتلك، مبادرات عديدة لجمع المتخاصمين حول مبادرة واحدة أو مشروع واحد. لكنّ الكل يصدر البيانات الشبيهة ببيانات الخلوات والمجالس السياسية المضمحّلة. كل هذا من دون أن تسأل أي منها عن مصير عشرات الآلاف من البشر الذين انكفأوا عن الساحات. ملّوا؟ يئسوا؟ هجروا أو هاجروا؟ لما تم التعاطي معهم كسلّم للتسلّق؟ ما النقاط التي حقّقتها التحرّكات لهم؟ ما المكتسبات التي تمكنّوا من المحافظة عليها؟ أسئلة الهزيمة مؤجلة إلى الآن، من دون الإكثار من جلد الذات. لكن مع كامل الوضوح في التساؤل وتعرية من أساء للثورة وتحرّكاتها أكثر من السلطة نفسها.

ففي العديد من هذه المجموعات، التي تحوّلت إلى مجالس لصياغة البيانات، برزت في الساعات الأخيرة أجواء متحمّسة لعودة الحريري إلى رئاسة الحكومة. سحر ساحر أو تعويذة مشعوذ، لا يهمّ. فالمهمّ أنّ في هذه المجموعات من لا يزال عالقاً عند محورين تسبّبا في الانهيار والأزمات والإفلاس. منهم المرتهنين لمحور مقاومة وممانعة سيطر على البلد ومؤسساته، وآخرون حالمون بنوستالجيا 14 آذار، اتّضح أنهم في غيبوبة لا كبوة. 17 تشرين، بكل ما يلزمها من صراحة ووضوح واعتراف بالهزيمة، أمام امتحان جديّ أخير يتمثّل بقدرة ناسها ومجموعاتها على صياغة تحالف وعقد سياسي، لمواجهة الحكومة والعهد ومن يمثّلهما. منذ 17 تشرين 2019 وحتى 22 تشرين الأول 2020، لم تعمل المجموعات في السياسة، فقط نشاط وتحرّكات وصياغة بيانات. فرق كشفية تحاكي تطوّر القرن الواحد والعشرين. الأهمّ لم يحصل بعد، والأصعب لم يقدم بعد.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024