نصرالله وجهاده الزراعي.. رفض التفاوض بمعدة خاوية

منير الربيع

الخميس 2020/07/09
الاستثمار في الزراعة، في حقيقته، كلام في الوقت الضائع. وخلاصته أن النهاية "المأمولة" هي مرسى تفاوضي بين إيران ومن خلفها حزب الله، مع الولايات المتحدة الأميركية. وحينذاك يكتشف من راهن على الأميركيين أنهم خُذلوا مجدداً، ويخرج حزب الله بنصر سياسي نتيجة الاتفاق.

تطمين المسيحيين
هذا هو موقف أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في جوهره، حين اعتبر أنه لم يقصد في كلامه السابق إدارة الظهر للغرب. لا بل قال إن لا مشكلة لديه إذا ما أرادت الولايات المتحدة الأميركية مساعدة لبنان. ولكن في مواجهة ضغوطها وعقوباتها، لا بد من البحث عن بدائل تمكّن من البقاء والصمود، ريثما "ترضى" أميركا.

خطاب نصر الله كله، يهدف إلى شراء الوقت. وهو ينطوي على تراجع موضعي وواقعي عن فحوى خطابه السابق، الذي قال فيه إن الصينيين جاهزين للاستثمار في لبنان. لكنه قال أمس: علينا أن نجهز مشاريعنا ونقدمها لهم.

تراجع في مسألة التوجه نحو الشرق، معتبراً أنه لم يقصد إدارة الظهر للغرب. وهنا خاطب البيئة المسيحية التي خافت من الجنوح شرقاً، محاولاً التصالح معها على قاعدة أن الموضوع ليس بين شرق وغرب، بل بين من يقدم الدعم والمساعدة، ومن يحجبهما.

لم يردّ على كلام البطريرك بشارة الراعي. ولا جزم في موضوع الحكومة وبقائها، كما في إطلالاته السابقة. تحدث عن أن السفيرة الأميركية تعمل على بلورة تصور لحكومة جديدة، ولم يقل هو إن هذه الحكومة ستبقى ولن تسقط.

مساكين العيش والسياسة
في توجهه إلى اللبنانيين بدا نصر الله وكأنه يقول: "دعوا المساكين في معيشتهم وفي السياسة يأتون إليّ". وبقوله إن حزبه سيخرج من هذه المعركة أقوى، إنما يدعو خصومه إلى عدم الحماسة والانجرار خلف المشروع الأميركي، لأن تجربة 2005 وما تلاها ماثلان في الأذهان.

لذا سيضطر خصوم حزبه إلى تحسين علاقاتهم به، ومدّ الجسور بينه وبينهم. أما مساكين العيش فدعاهم نصر الله إلى الجهاد الزراعي، فيما يعمل حزبه على توفير المواد الغذائية لجمهوره بأسعار زهيدة، لعدم خضوعها للضوابط والرسوم الجمركية. ودعا، بل اعتبر أن اللبنانيين جميعاً سيزحفون إليه، للحصول على تلك المواد المتهاودة الأسعار. وهكذا يكون حزب الله منقذاً للبنانيين من الجوع، فيما أميركا تحاصره وتجوّع أهله وتفرض عليهم العقوبات.

وبعد اتفاق إيران مع أميركا سيعلن نصرالله انتصاره الجديد، قائلاً: ألم نقل لكم، ها قد أفشلنا المشروع الأميركي الذي أراد تجويع حزب الله واللبنانيين، وهزمناه سياسياً، بعدما هزمناه عسكرياً في تموز 2006.

عروض القوة 
على الأرض كان مناصرو حزب الله يتظاهرون على مدخل مطار رفيق الحريري الدولي، احتجاجاً على زيارة قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي. وهو جاء يرعى احتفالاً تكريمياً للجنود الأميركيين الذين سقطوا بتفجيرات نفذها حزب الله في ثمانينيات القرن الماضي.

أُلغي الاحتفال بسبب التظاهرة، وأُجل موعد زيارة القائد الأميركي لموقع التفجيرات. رمزياً سجل حزب الله انتصاراً معنوياً: عرقل برنامجاً أميركياً. وهذا دليل واضح على إمساك الحزب بالواقع على الأرض، وعلى ضرورة التفاهم معه ليتمكن الأميركيون من فعل ما يريدونه.

سياسياً، استكمل القائد الأميركي زيارته للبنان، فعقد لقاءات مع المسؤولين. الزيارة في توقيتها الذي لا تفرضه أي مناسبة، مؤشر رمزي على تصعيد الأميركيين، أو صبهم الزيت على النار، من دون تقديرهم مدى تأثيرها على الوقائع، وما سيكون تبعاتها وتداعياتها.

الرسالة التي نقلها القائد الأميركي واضحة المضمون حول مضي الأميركيين في التصعيد، ما لم تقدم الدولة اللبنانية على إجراءات واضحة لضبط تحركات حزب الله وأنشطته. فيما بحث القائد الأميركي مع قائد الجيش في كيفية استمرار تقديم الدعم للمؤسسة العسكرية اللبنانية وتعزيز التنسيق معها.

في المقارنة بين لبنان والعراق، يبدو العراق متقدماً على لبنان في شدّة الصراع وحدّته. في لبنان يراهن حزب الله على مساحة أخذ وردّ - ولو على نحو غير مباشر- مع الأميركيين، سواء بجهود دولية أو من خلال إمساكه بالسلطة الثلاثية، أو الرئاسات الثلاث، وبالواقع على الأرض عسكرياً، من خلال المعابر.

أما في العراق فالواقع مختلف: الرئاسات الثلاث في يد الأميركيين. وإيران تقاتل للحفاظ على التوازن. يبقى الخطر في أن تتطور معارك استعادة التوزان أو استمرار كسرها، ما قد ينعكس توتراً على الأرض.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024