إستراتيجية لفضح أكاذيب موسكو وطهران

نديم قطيش

الإثنين 2015/11/02

تزداد مع كل تصريح الهوة الفاصلة بين ما تقوله ايران وما تفعله. ليس هذا ارتباكاً وحسب كما يبدو للوهلة الأولى. لا شك ان فيه شيء من الارتباك في صياغة الموقف الايراني، نتيجة الجهد الكبير المبذول للتأقلم مع نقطة التحول التي تمر بها ايران منذ التوقيع على الاتفاق النووي.

لكن ايران تريد ايضاً تشويش متابعيها وفرض القيود على ردات فعلهم وتأخيرها قدر الامكان. وأبرز من يتولى إستراتيجية التشويش هو المرشد علي خامنئي نفسه.  

الهدف الأول هو تعمية الجمهور الايراني الداخلي ومنع تبعات الاتفاق النووي من التدرج نحو احياء الميول الاصلاحية التي عبرت عنها الكتلة الشبابية في الحركة الخضراء عام ٢٠٠٩ والتي لا يزال جمرها متقداً. أما الهدف الثاني فهو إرباك حسابات خصوم ايران حيال ما تريده وما تستعد له وما تقدم عليه.

من الأمثلة على ذلك مضمون كلامه خلال لقائه السلك الديبلوماسي الإيراني. رفض المرشد تدخل أطراف خارجية لتحديد مصير ومستقبل بشار الأسد، وقال إن الأزمة السورية تحل من خلال إيقاف الحرب ومنع إيصال السلاح لكافة المجموعات المسلحة! لا يعني المرشد لا من قريب ولا من بعيد ان هذا الكلام الشبيه بكلام المنظمات غير الحكومية او سفراء دول محايدة الى الامم المتحدة، يتزامن مع ارتفاع عدد القتلى الإيرانيين في الآونة الأخيرة في سورية وتقدم رتبهم العسكرية، ما يعني مفاقمة ايران تدخلها العسكري لاتقاذ الاسد. لا علاقة هنا بين الاقوال والافعال. كل من الإثنين له دوره ووظيفته في المعركة التي تخوضها ايران.

ولعل موضوع العلاقة مع واشنطن بين أكثر الموضوعات عرضة لهذا الانفصام. في اللقاء نفسه انتقل المرشد الى عنوانه المفضل، وهو ان لا جدوى من التفاوض مع واشنطن على الملفات الإقليمية، فيما كان بعض الديبلوماسيين الحاضرين لم ينهوا بعد قراءة التقارير الواردة اليهم عن مداولات فيينا التي حضرتها ايران للمرة الاولى للتفاوض مع واشنطن وغير واشنطن حول سوريا وبغياب بشار الاسد. وهي ما كانت لتحضر لولا موافقة واشنطن. بل إن الخارجية الاميركية هي من أعلنت عن دعوة طهران الى فيينا، ما ولد نبرة إحتفالية فاقعة في اعلام محور الممانعة الذي تتزعمه ايران.

ستمضي إيران في الحديث عن “الحل السياسي” بموازاة زيادة جرعات التدخل العسكري في سوريا بهدف إنقاذ نظام بشار الاسد أو تدعيمه للمضي قدماً في إدارة حرب اهلية بوجوده في رأس السلطة. وستمضي بتشريع الابواب امام العلاقات الايرانية الاميركية، مصحوباً بإستعارة لغة ما قبل الاتفاق النووي أو بنسخ مخففة منها.

فما يهم الايرانيين حالياً، الى جانب فرض وقائع ميدانية علي الارض في سوريا، وربما أكثر، هو تأمين الانتصار للرواية الايرانية للحدث. وهي لا شك نجحت في فرض رواية الارهاب كرواية مركزية للحدث السوري مستفيدة من حلول اهوال الجريمة الداعشية في الذاكرة الجمعية وفي صدارة المشهد الاعلامي، مكان مشهد الثورة السورية السلمية الباهرة للاشهر الاولى بل للسنة الاولى للثورة. وهي تسعى الان للاستفادة من “الميل السياسي” العام لدى القوى المؤثرة في الأزمة السورية، بهدف تلبيس سياسة ابقاء الاسد عنوان “الحل السياسي”.

ثمة شكوك جدية أن إيران تلتقي مع روسيا في الهدف نفسه وأن تمنية النفس بإفتراق الاهداف الروسية والايرانية لا يعدو كونه تفكيراً بالرغبات أكثر منه قراءة تسندها الوقائع. وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند، من هذه المدرسة التي تعتبر أن الهدف الروسي العميق هو التمسك ببشار الاسد، كما صرح في مقابلات اعلامية على هامش فعاليات “حوار المنامة”، مؤكداً على إختلاف التقييم بين بلاده والادارة الاميركية في هذا الخصوص. والارجح أن البلدين يشتركان في آلية التعمية نفسها كما يتضح من سلوك موسكو. بعض المطلعين على مجريات الساعات الطويلة في فيينا يؤكدون أن روسيا لم تبدِ أي ليونة بشأن مستقبل الاسد على الرغم من إحتفاظ اللغة الديبلوماسية الروسية بمسافة واضحة عن عنوان “التمسك ببقاء الاسد”! ويتضح ذلك ايضاً من خلال التدقيق في اهداف الضربات التي تقوم بها الطائرات الروسية في سوريا. ففيما العنوان هو ضرب داعش تشير معظم التقارير الجادة الى أن داعش هي الفصيل الاقل عرضة للنيران الروسية. إننا أمام تحالف كاذبين محترفين، يؤمنان أن الكذب أداة ديبلوماسية بالغة التأثير.

إزاء ذلك تعتمد الديبلوماسية السعودية استراتيجية “اللحاق بالكاذب الى باب الدار” كما يقول مثل لبناني معروف. اذ لا يمكن فضح الالاعيب الروسية والايرانية الا بالانخراط معها وفضح زيفها وبطلانها، لا سيما ان السياسة الأميركية الراهنة لا توفر لحلفائها اي اساليب اخرى، إذ تبدو واشنطن راغبة بتصديق الاكاذيب الروسية والايرانية طالما أنها تبعد عنها كأس التورط العسكري هنا أو هناك.

لا بد من التعاطي المباشر مع المبادرات الايرانية والروسية وإسناد ذلك بماكينة اعلامية نشيطة لاستنزاف جعبة الاكاذيب، كالحل السياسي بمفهومه الايراني والروسي، والمرحلة الانتقالية ومشاركة جميع السوريين وغيرها من العبارات. ولا بد ان يصحب ذلك رفع لمستوى المواجهة مع نظام الاسد ميدانياً وهز شباكه في دمشق نفسها، قبل ان يجلس الجميع الى طاولة الحل وليس طاولة إدامة الحرب والاستثمار في دماء السوريين. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024