عون ينفرد بالحكم: تهميش السنّة وتأجيج الصراعات المسيحية

منير الربيع

الخميس 2021/04/29
صار لبنان على الهامش، خارج سياق اهتمامات الدول في معالجة أزماته وأطوارها اليومية. فالدول تهتم بما هو على علاقة بملفات جيوستراتيجية مسرحها لبنان، كحزب الله وأسلحته الدقيقة ودوره، وملف ترسيم الحدود الجنوبية، والحدود اللبنانية – السورية، لما لهذه الحدود من ارتباط وثيق بالوضع في البحر المتوسط.

عبث محلي واستنكاف دولي
وهذان الملفان هما عنوان الاهتمام الدولي بلبنان، ويرتبطان بالمعابر والمرافق وإعادة إعمار المرفأ. عدا ذلك، يبدو البلد متروكاً للعبثية الداخلية، قضائياً، سياسياً، أمنياً، اقتصادياً ومالياً. وهي عبثية خراب عميم، وانهيارات متتالية قد لا تنجو منها الأجهزة الأمنية، وفق الرؤية الدولية التي تبدو شديدة التشاؤم.

فالمجتمع الدولي لا يملك شيئاً أكثر من تقديم المساعدات الإنسانية والغذائية للبنانيين. ولا قدرة لديه على إنتاج حلول، أو هو يستنكف عن بذل جهد لإنتاجها، طالما الدروب الداخلية اللبنانية مسدودة بسبب عبثية القوى السياسية اللبنانية.

فيدراليات مرهونة للخارج  
وما يجري في الداخل بالغ الخطورة: تحويل لبنان إلى ساحة متجددة لصراعات، تتقاطع فيها نزاعات القوى المحلية في ما بينها، مع سعيها إلى نسج علاقات خارجية تستند إليها في النزاعات الداخلية، وسط ظروف وتحولات إقليمية كبرى.

لذا، تتضارب المشاريع والأجندات التي تنعكس سلبياتها على الواقع المحلي. فيما تؤدي الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية إلى إنتاج "فيدراليات اجتماعية"، يهيمن على كل منها حزب أو طائفة أو زعامة، تضطلع بتوفير بعض المساعدات لبيئتها ومناصريها.

عون وباسيل وحزب الله
وهذا واقع منضبط وممسوك شيعياً ودرزياً، ولكنه ليس كذلك سنياً ومسيحياً. ففي الساحتين السنية والمسيحية ليس من قرار مركزي، بل هناك صراعات مفتوحة على الزعامة وعلى مواقع النفوذ داخل الطائفتين. وليس من باب المصادفة أن يكون الصراع السياسي الأكبر على تشكيل الحكومة، قائم بين تيار المستقبل والتيار العوني، ويتخذ الطابع الشخصي بين سعد الحريري من جهة، ورئيس الجمهورية وصهره جبران باسيل من جهة أخرى.

والصراع هذا يتخذ بعداً سياسياً وطائفياً على صلة بحرب وجودية بين الطرفين. صحيح أن الحريري ينجح في المعايير الشخصية، وفي تعويم نفسه داخلياً ومع بعض الدول العربية، بناءً على موقفه التصعيدي ضد عون وباسيل. لكنه في المقابل يخسر الكثير سياسياً في ظل وجود شخصية كعون تستثمر حتّى في الفراغ، ويمسك بالسلطات كلها، طالما أن كل من الطرفين غير قادر على فرض تشكيل الحكومة.

سابقاً، دخل الحريري في تسوية مع عون وقدم تنازلات هائلة لمنع الفراغ والحفاظ على مؤسسات الدولة والطائف. واليوم، عون غير مستعد إطلاقاً لتقديم أي تنازل للحفاظ على الدولة أو الطائف. فالفراغ يعزز تمكينه من الإمساك بالسلطات كلها، سواء بالاجتماعات التي يدعو إليها، أو بالقرارات التي يتخذها. وهكذا يصبح الحاكم الأوحد، وظروفه في ظل غياب الحكومة أفضل بكثير من وجودها.

ويحاول عون وباسيل بحربهما على الحريري سياسياً، وضعه بين خيارين: إما أن تشكل حكومة كما نريد، أو تعتذر. ما عدا ذلك فها هي السلطة في أيدينا، ونحن نحكم وندير البلد بمؤسساته وحتى في الاستحقاقات المقبلة.

العونية ولعنة التاريخ
أما مسيحياً، فالتيار العوني يعتبر في أسوأ أحواله سياسياً وشعبياً. فقوته تقتصر فقط على تحالفه مع حزب الله، وعلى وجود عون في رئاسة الجمهورية وحاجة الجميع إلى توقيعه. ولكن في المستقبل القريب يكون التيار العوني في مواجهة واسعة ومباشرة مع كل القوى المسيحية الأخرى.
وهنا تعود لعنة التاريخ إلى مابين العام 1988 والعام 1990. ومواقف باسيل الأخيرة ضد القوات اللبنانية تذكر كثيراً بتلك المرحلة. ويبدو كأنما هناك استعداد لافتعال صراعات داخل البيئة المسيحية، تحت سقف الفيدراليات الاجتماعية المقنّعة، أو تحت سقوف سياسية متصلة بالتحالفات، أو بوضع اليد والسيطرة على الحصة الأكبر من المنطقة المسيحية.

وصراع من هذا النوع لن يضّر القوى المعارضة للتيار العونيّ، بل يضعف الجيش، والقوى الأمنية الأخرى. 

مأزق الحريري
أما الحريري فغير قادر على الاعتذار، لأن اعتذاره يضعف السنة. وقد يذهب بلبنان إلى مشاهد سلبية بنتيجة كسر التوازن. وقد تعمل جهات على تغذية التطرف السنّي.

والحريري غير قادر على تقديم أي تنازل. فيما يبقي الواقع الحالي الساحة السنّية في حال من فقدان الوزن السياسي بما أنها غير قادرة على المبادرة، وتفقد تأثيرها في معادلة الحكم والسلطة. وهناك الاختراقات التي تسعى قوى سنية إلى تحقيقها على حساب الحريري. وهذا مثال على الصراع السني - السني في المنطقة كلها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024