بعد صوّان: القضاء في المحرقة وتدويل التحقيق أفقاً وحيداً

منير الربيع

السبت 2021/02/20
لم يضرب قرار تنحية القاضي فادي صوان عن التحقيق في جريمة المرفأ، القضية والحقيقة وحدهما، ولا يستهدف الضحايا مجدداً وأهاليهم وحدهم.

القضاء في المحرقة
وبغض النظر عن الأخطاء التي اقترفها صوان، وأدت إلى تقاطع مصالح أطاحت به، فإن أبعاد القرار وتبعاته كارثية على ما تبقى من جسم قضائي، وأمل الناس في إمكان الوصول إلى حقيقة ما في تفجير المرفأ.

منذ اليوم الأول للتفجير، بدأ العمل على تضييع التحقيق، سواء بضخ كميات هائلة من المعلومات والمعطيات حول الجهة التي جاءت بسفينة نيترات الأمونيوم، وتجهيل وجهتها.

وأدت استدعاءات صوان الموصوفة بالاستنسابية، إلى ضرب مسار التحقيق، وتنحيته. والقضية دخلت الآن في مرحلة جديدة أكثر خطورة وتعمية وتجهيل، نظراً إلى طريقة تنحية المحقق العدلي (صوان) والبحث في تعيين بديل حصل تجاذب سياسي حوله، بسبب الإصرار على "حسن إنتمائه السياسي".

وكالعادة، ستضرب حرب تصفية الحسابات التحقيق مجدداً، وتغرقه في دوامة الحروب إياها، لتجهيل الفاعل والمتهم الرئيسي وصناعة أكباش المحرقة اللبنانية المستمرة إلى ما لا نهاية. فبعد محرقة المصارف والدولار والانهيارات المالية والاقتصادية، وصلت المحرقة إلى القضاء، بل ما تبقى منه.

تحقيق ينتهي قبل بدايته
وقبل أيام أعلن أمين عام حزب الله حسن نصر الله أن التحقيق في انفجار المرفأ انتهى، ويجب أن تعلن نتائجه. لكن المحقق العدلي كان في بدايات تحقيقه واستدعاءاته لشخصيات رفضت المثول أمامه، ثم صدر قرار الانقلاب الكبير عليه. فكيف يمكن لتحقيق أن ينتهي قبل الاستماع إلى إفادات واستكمال الاستدعاءات؟!

أما خطأ صوان الكبير فيكمن في أنه أرسل لوائح بأسماء متناقضة إلى المجلس النيابي مطالباً بالاستماع إلى إفادات المسؤولين. وما أن أعلن نصر الله انتهاء التحقيق، حتى اكتملت عناصر تنحية المحقق العدلي صوان. والمعيب أكثر هو ذريعة تنحيته: امتلاكه منزلاً تضرر جراء الانفجار، فلا يمكنه بصفته متضرراً النظر في القضية! وبعد أشهر ستة اكتُشف أن القاضي متضرر!

والأهم من ذلك ما تضمنته تهمة نصرالله غير المباشرة لصوان: احتمال التواطؤ مع شركات التأمين للتهرب من دفع مستحقات المتضررين. والمعلوم أنه في حال كان هناك عمل إرهابي أو تفجير متعمد، تتمكن شركات التأمين من عدم دفع المستحقات. وهذه معادلة تعتبر عائقاً أساسياً أمام أي تحقيق جدي وشفاف.

فإذا أصدر القاضي تقريراً يفيد أن للانفجار أسباباً غير الإهمال، يعني حكماً أنه متواطئ مع شركات التأمين، التي يتوجب عليها دفع مبالغ قال نصر الله إنها تصل إلى مليار و200 مليون دولار. وفي الظروف السياسية الحالية لا بد من ربط أي قرار من هذا النوع بالحرب الكونية على لبنان، والحصار القائم عليه من المجتمع الدولي الذي يرفض مساعدته. لذا، لن يسمح أيضاً لشركات التأمين التي لديها أصول أجنبية بدفع هذه المبالغ. وهذا أحد العناصر الأساسية من تجهيل الحقيقة.

جنبلاط خارج المتاهة 
ما يجري مؤشر جديد على الانهيار الكبير الذي يعيشه لبنان، على وقع انقسام مذهبي يتجذر أكثر فاكثر، وينمو سعاره في الأيام المقبلة. وهذه المرة داخل الجسم القضائي. فكما تقاطعت المصالح على تنحية صوان، ستتضارب بعد تعيين المحقق العدلي الجديد، والذي سيكون محسوباً على طرف في مواجهة آخر أو آخرين.

الحريري كما عون وحزب الله أرادوا جميعاً تنحية صوان. وطُلب من وليد جنبلاط مرات ثلاث الضغط على القاضي العريضي ليصوّت بالموافقة على تنحية صوان لكنه رفض. وجاء رفض جنبلاط، وكذلك الوزير السابق غازي العريضي، لأن جنبلاط يعلم أن الأمور ذاهبة نحو عبثية هائلة ولا يريد أن يدخل في متاهتها. والمتاهة مستمرة: استخدام سياسي للقضاء، يضاعف التوتير المذهبي والطائفي.

تدويل التحقيق أيضاً  
قرار تنحية صوان ليس أقل من باب جديد لرفع الصوت بفكرة تدويل التحقيق. وهذا يتزامن ويتطابق مع فكرة التدويل التي يقترحها البطريرك الماروني بشارة الراعي بقوة. ويبدو أنه مصر عليها لحل المعضلة اللبنانية برمتها، رغم المحاولات الجارية لتعديل موقفه.

وهذه الوقائع كلها ترفع منسوب التوتر السياسي والطائفي، وخصوصاً في ظل التحضير لعقد لقاء سياسي واسع في بكركي الأسبوع المقبل، لدعم مواقف البطريرك والمطالبة بالتدويل، ورفع عرائض إلى المجتمع الدولي تحت هذا العنوان.

وهناك أيضاً تحضير لأن يزور الفاتيكان وفد إسلامي - مسيحي لمطالبة البابا بدعم مواقف البطريرك. وهذا يؤدي إلى مزيد من تصعيد الفريق المقابل، أي حزب الله والتيار العوني.

لكن لا يبدو أي أثر للاهتمام الدولي بلبنان. والمبادرة الفرنسية المتوافرة يجري كل يوم إفشالها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024