15 عاماً بعد السجن: خطيئة جعجع وأخطاؤه

نادر فوز

الأحد 2020/07/26
"القوة بالمواجهة لا بالهروب"، كتب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على تويتر. مضى 15 عاماً على خروجه من السجن، فأحيا جعجع هذه الذكرى من باب القنص على رئيس الجمهورية ميشال عون. الأخير هرب من القوات السورية، وجعجع واجه مصيره منفرداً. في السنوات الأخيرة من الحرية والعمل السياسي وإدارة المعارك السياسية وتسوياتها ومهادناتها، المراجعة محتومة. بمراجعة ذاتية أو عامة، لا يختلف أحد على أنّ القوات اللبنانية أصابت نفسها وكل اللبنانيين معها، بمقتل حين أعلن جعجع تفاهم معراب وترشيح رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون (حينها) لرئاسة الجمهورية.

خطيئة معراب 
قضى هذا الترشيح على محور 14 آذار، وأعلن انتفاء قيمته ومشروعه. سلّم البلد، برئاسته ومؤسساته، لحزب الله ومحوره. منح الرئيس المنتخب الغطاء الكامل والشامل لحزب الله، داخلياً، وسهّل على الحزب التلطّي وراء هذه المؤسسات خارجياً. كرّس التفاهم مفهوم التوافق، من باب المحاصصة وتقسيم المصالح. وقد ورد هذا الأمر حرفياً في الفقرتين "ج" و"هـ" من البند الثالث من وثيقة التفاهم التي وقّعها جعجع وعون. فجاء في النص "تتوزّع القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر مناصفة المقاعد الوزارية المخصصة للطائفة المسيحية، بما فيها السيادية ومنها الخدماتية"، و"يصار إلى توزيع مراكز الفئة الأولى من الإدارات الرسمية والمؤسسات العامة ومجالس الإدارة العائدة للمسيحيين". تسليم وتحاصص، خطيئة يعجز حتى قياديون في القوات اللبنانية عن غفرانها. منهم من انسحب من المشهد العام، ومنهم يتابع عن بعد ما آلت إليه الأمور.

العمل والخطأ
بالنسبة للقواتيين، يجري الحزب مراجعات ذاتية في كل محطة سياسية أو انتخابية. وهو مبدأ تم تكريسه داخل قيادة الحزب وقطاعاته. "لا يخطئ من لا يعمل"، عبارات تحاول التعويض المعنوي عن الأخطاء. أما الخطايا فتحتاج ما هو أكثر من ذلك. بمعزل عن هذه التجارب، يمكن القول إنّ سمير جعجع حقّق خلال 15 عاماً مضت إنجازات عديدة. من أبرزها أنه تحوّل في مرحلة ما من "متهم بقتل" رئيس حكومة إلى رمز في الطائفة السنية. كان ذلك فعلاً مباغتاً، حين رفعت صور جعجع في مدينة طرابلس. وإنجاز آخر، ربما جاء بفعل الظروف وألعابها، أنّ جعجع تحوّل إلى القيادي الأول بنظر دول الخليج العربي. كان ذلك في فترة انكفاء زعيم تيار المستقبل ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن المشهد بين 2011 و2014. في حين لا تخفي دوائر القوات اللبنانية أنّ التواصل بين "الحكيم والقيادات العربية لا يزال مستمراً وراسخاً، وهو الأقوى عربياً من بين مختلف الزعماء اللبنانيين".

التفاهم والرئاسة
بينما يغرق نواب "الجمهورية القوية"، وغيرهم من نواب الكتل الأخرى في فحوص كورونا اليوم وغداً، يقول النائب فادي سعد لـ"المدن" إنّ القوات اللبنانية "صوّبت أخطاء تم ارتكابها في السياسية، ولا تزال تحاول تصويب أخرى". في ما يخص تفاهم معراب ودعم مشروع عون الرئاسي، يؤكد سعد على وجوب الفصل بين "التفاهم المسيحي، أسوةً بكل التفاهمات التي تحصل بين مكوّنات الطوائف الأخرى، وبين ترشيح عون". عام 2016، كان سعد لا يزال أميناً عاماً لحزب القوات، "كان رأيي ولا يزال أن نمضي في التفاهم وليس بموضوع الرئاسة"، "كانت أكثرية القيادة مع التفاهم، ونسبة أقل منها مع تأييد عون بالوصول إلى بعبدا". كان الهدف ردم تاريخ الصراعات بين الطرفين المسيحيين أولاً، والتأكيد على أنّ الفراغ الرئاسي لا يجب أن يكون أمراً عادياً، في ظل استمرار عمل الرئاسات والمؤسسات الأخرى. "ولم نكن نملك خيارات رئاسية أخرى أصلاً". فتم الأمر.

أخطاء ومراجعات
ويؤكد سعد أنّ من بين الأخطاء التي ارتكبتها القوات اللبنانية، "المشاركة في الحكومات بعد 2005 على قاعدة التفاهم الوطني والديموقراطية التوافقية". كانت قوى 14 آذار تنال الأكثرية النيابية "لكن حلفاؤنا لم يقبلوا بالمبدأ الطبيعي للديموقراطية بتشكيل سلطة ومعارضة". مع تفوّق قوى 8 آذار عددياً في البرلمان عام 2018، "أصرّ حلفاؤنا على البقاء في الحكومة والمشاركة فيها". بعد انتخابات 2009، صوّتت كتلة القوات اللبنانية لصالح الرئيس نبيه بري في انتخابات رئاسة مجلس النواب. خطأ آخر، يعترف به القواتيون، "إلا أننا عدنا وأصلحنا الأمر عام 2018". مع التأكيد على أنّ علاقة القوات ببرّي مستمرة ومتينة، لكونه قناة تواصل وحوار مع طائفة أساسية في البلد.

اتفاق الدوحة
بعد اجتياح حزب الله بيروت وعدد من المناطق في أيار 2008، خرج اتفاق الدوحة بصيغة التسليم لحزب الله. يومها "أصرّينا على حلفائنا على عدم السفر وتوقيع الاتفاق". كان ذلك بمثابة إعلان الاستسلام. إلا أنّ الحلفاء أصرّوا مجدداً على الذهاب، "وشاركنا معهم في ذلك. وهذا من الأخطاء التي وقعنا فيها أيضاً". ترتبط تبريرات القواتيين، على الدوام، بأداء الحلفاء. هو التحالف الذي انفرط عقده فعلياً قبل تفاهم معراب. كان الرئيس الحريري قد أعلن دعم النائب (حينها) سليمان فرنجية للرئاسة، كما أنّ الحلفاء المفترضين أنفسهم "لم يبدوا تجاوباً وحماسة كبيرة مع إعلان جعجع ترشيح نفسه للرئاسة".

تدور النقاشات والحجج وتعود إلى النقطة المحورية الأساسية في دعم عون للرئاسة. تمّت الخطيئة، وإن أردنا التساهل معها فيمكن القول إنّها وقعت، لتفضح خطاب التيار الوطني الحرّ وزيف مشروعه للبلد. أحوال لبنان واللبنانيين اليوم خير دليل على لا مشروع التيار في الإصلاح والتغيير، وفشله في إدارة الأزمات لا بل زيادة تأزميها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024