ملاحات أنفة في خطر: من هم أصحاب المشروع؟

جنى الدهيبي

الخميس 2018/05/24
في ظلّ المخاطر التي تواجهها بلدة أنفة الشماليّة، والتي تعتبر منجم الذهب الأبيض وموطن الملاحات التقليدية منذ ستينيات القرن الماضي حين كانت الملاحات تغطي مساحة نحو مليون متر مربع على شاطئها قبل أن تنحسر لتصل اليوم إلى أقل من 200 ألف متر، لا يزال ما بقي من ملاحات أنفه مهدداً باجتياح المنتجعات السياحية لشواطئ البلدة. 


انتهت جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، الاثنين في 21 أيار 2018، قبل انتقالها إلى مرحلة تصريف الأعمال، من دون أن يتخذ قراراً بإزلة الملاحات التاريخيّة في شمال لبنان لمصلحة مشروعٍ استثماري يهدف لإقامة منتجعات سياحيّة. فبعد موافقة الحكومة على مشروعين لإشغال الأملاك العامة البحرية، الأول في زوق مكايل والثاني في الدامور، رغم إعلان المجلس الأعلى للتنظيم المدني رفضهما، لما يُمثلانه من تعدٍ فاضحٍ على هذه الأملاك، كان الجميع يترقب مصير ملاحات أنفة، المهددة أيضاً بشرعنة الاستيلاء عليها.

يبدو أنّ حملات الاعتراض الواسعة، التي رافقت إقرار مشروعي زوق مكايل والدامور، قطعت الطريق على تمرير مشروع أنفة، الذي كان طرحه متداولاً على جدول أعمال الحكومة. لكن عدم إقرار المشروع، لا يعني الغاءه، وقد يكون واحداً من البنود الرئيسية للحكومة المقبلة، في عملية مصادرة الأملاك البحريّة العام لمصلحة مشاريع استثماريّة ضخمة.

فماذا يفعل الناشطون البيئيون والمدافعون المدنيون لضمان حماية ملاحات أنفة على ساحل الكورة من الزوال؟

حاليّاً، تتولى الحركة البيئية اللبنانية مهمة العمل والضغط لالغاء مشروع بناء المدينة المسورة في أملاك وقف دير الناطور على شواطئ الملاحات في أنفة. وفي كتابٍ كانت الحركة قد وجهته إلى الحكومة قبيل جلستها الأخيرة، ربطت طلبها برفض المجلس الأعلى للتنظيم المدني له، واعتباره مشروعاً ينافي فكرة دعم الاقتصاد اللبناني بموارده الطبيعية والتراثية والثقافية والانتاجية الوطنية.

موقف الحركة البيئية الذي تدعمه غالبيّة أهالي أنفة، جاء اعتراضاً على المشروع المقدم إلى التنظيم المدني من أصحاب حق استثمار العقار 912 ملك دير سيدة الناطور في ساحل الكورة، بمساحة 30990 م2 في اليابسة وبمساحة 38875 م2 مسطحات مائية. وكان رفض المجلس الأعلى للتنظيم المدني له، استناداً إلى دراسات وتوصيات الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية، التي كانت قد اعتبرت أن هذا الجزء من الشاطئ اللبناني ينفرد بخصائص بيئية نادرة ومميزة. فـ"بحر رأس الناطور ما زال سليم البيئة والتنوع البيولوجي، وهو أنظف ماء بحر في لبنان، يعطي أفضل ملح بحري في العالم في ملاحاته التراثية التي جعلت أنفة عاصمة الملح اللبناني بامتياز، لاسيما زهرة الملح الشهيرة بنقاوتها وتركيبها الطبيعي عالية الجودة".

عمليّاً، تخوض الحركة ومن معها من ملاحين وناشطين بيئيين معركة سياسية. إذ يقف خلف المشروع السياحي الّذي يتمّ الإعداد لتنفيذه في بلدة أنفة على عقار تعود ملكيته لدير سيدة الناطور التابع لأبرشية الروم الأرثوذكس في طرابلس، عدد من الشخصيات السياسية البارزة في المنطقة. ووفق معلومات "المدن"، فإنّ أصحاب المشروع الخمسة، يتصدرهم رجل الأعمال جاك صراف والنائب السابق فريد مكاري والمهندس عبدالله الزاخم، وأحد أقرباء النائب السابق روبير فاضل.

وفي السياق، يشير الملاح والناشط البيئي في أنفة حافظ جريج، في حديث إلى "المدن"، إلى أنّ ثمّة ملفاً يجري إعداده، بتوكيل محامٍ لرفع دعوى قضائيّة ضد أصحاب المشروع. ويقول: "هم يريدون هدم الملاحات ووقفها عن العمل، من أجل تسليمها للمتمولين، وليصبح من السهل على حيتان المال امتلاكها وبناء منتجعاتهم عليها".

كذلك، أعلنت شركة دير الناطور أنّها وبالتعاون مع الجهات المختصّة في الإدارات الحكومية وكذلك مع بلدية انفة، ستتّخذ جميع الإجراءات لضمان أعلى درجات ا‏لصيانة للملّاحات وتشغيلها وجعلها مقصداً سياحيّاً ومورداً فعليّاً للعاملين فيها. وهي حاليّاً تستكمل إعداد ملف الأثر البيئي مع الجهات المختصّة في الإدارات الحكومية اللبنانية والمراجع النقابية المعنية، وستعلنه فور الانتهاء من إعداد الدراسات الهندسية والبيئية والاثرية المتّصلة بالمشروع.

جريج الذي سبق أن خاض معارك كبيرة من أجل التصدّي لمحاولة هدم ثروة الملاحات في أنفة، يعتبر أنّ هذه القضية ليست قضيّة أبناء المنطقة فحسب، إنما قضيّة لبنانية ولكلّ الغيورين على الثروة البيئية، وتحديداً النادرة منها. وفيما يطالب جريج بإنقاذ رأس الناطور مما يصفه بـ"المجزرة البيئية"، التي يخسر معها ساحل الكورة طابعه الأصيل في البيئة الطبيعية والأعمال الوطنية والشعبية المرتبطة به، لاسيما إنتاج الملح البحري وصيد السمك والسياحة الصحية والثقافية، يدعو باسم الحركة البيئية اللبنانية إلى إعلان الملاحات محمية طبيعية لحماية خصائص رأس الناطور. وذلك، انسجاماً مع التزام لبنان بمعاهدة رامسار للمناطق الرطبة والملّاحات التي انضم إليها في العام 1999.

توضيح روبير فاضل
أوضح مكتب النائب السابق روبير فاضل، على موضوع "ملاحات أنفة في خطر: من هم أصحاب المشروع؟"، الذي نشر الخميس في 24 أيار 2018، أن فاضل "انسحب من هذا المشروع قبل 8 سنوات ولا تربطه أي مساهمة أو علاقة شخصية به. كما يريد السيد فاضل أن يؤكّد على ضرورة الحفاظ على الثروات البيئية والتاريخية في كل لبنان بما في ذلك ساحل الكورة".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024