المدنيّون: بعض الإيجابية

حسان الزين

السبت 2017/03/11
لم تنتهِ معركة القانون، لكن الفئات المدنية الديمقراطية، لم تنجز موقفاً سياسيّاً تخوض بناءً عليه المعركة وتفرض من خلاله نفسها وترسم عبره مساحة عامّة، وطنية ديمقراطية، لمناقشة القانون.


أسباب ذلك متعددة: أولاً، لكون القوى السياسيّة المذهبيّة الممسكة بالسلطة إقصائيّة، وقد استطاعت احتكار البحث في القانون، وعطّلت المجتمع وحوّلت المواطنين أرقاماً وكتلاً تترجم حساباتها وأحجامها وإراداتها. وثانياً، لكون "القوى" المعارضة ليست منظمة ومؤطّرة وهي في طور النشوء.

وسط ذلك، وقبل فوات الأوان؛ ووسط الإيجابيّة والانفتاح اللذين يبديهما المدنيّون الديمقراطيّون الذين شغّلوا محرّكاتهم الانتخابيّة والحواريّة، لا بد من السعي السريع والهادئ إلى صوغ موقف سياسي لخوض المعركة الانتخابيّة قانوناً واستحقاقاً. وتحت هذا الموقف يُنتَج إطارٌ ديمقراطيٌ يلبي شروط المرحلة ويفتح الأبواب لاستدامة سياسيّة متنوعة للمكوّنات والحيويات في المجتمع اللبناني. ولا يعني ذلك قصر الجهود على التوحّد وجعل ذلك شرطاً وحيداً للعمل والاستمرار، بل يعني في الحد الأقصى إنتاج موقف سياسي وإطار، وفي الحد الأدنى التعاون والتنسيق تجنّباً للتضارب والمنافسة وتشتيت الجهود والطاقات.. والأصوات.

غير ذلك ستبقى هذه القوى هامشيّة ودون الفاعليّة ولن تخاطب المواطنين وتتفاعل معهم، وانتخابيّاً ستكون مشتتة الأصوات. فاستثمار الاستحقاق الانتخابي لا يقتصر على المشاركة الترشّحية، ولا على الاقتراع لغير الطبقة السياسيّة. فمثلما هو المشروع الانتخابي ليس الموقف السياسي، ومثلما هي اللائحة الانتخابية ليست إطاراً سياسيّاً، ومثلما هي معركة القانون سياسية وليست ندوة لطرح مشاريع القوانين (هذا أمر وهذا أمر آخر)، كذلك الدعوة إلى انتخاب "المرشحين المعارضين" يجب ألا تكون نداءً قبَليّاً للانحياز إلى القوى المدنية الديمقراطية. بل يجب أن يكون ذلك بناءً على موقف سياسي ومشروع انتخابي وإنجاز واقعي يتمثّل بالاطار الجامع والتنسيق والتعاون وخريطة طريق سياسيّة- انتخابية (وأمور أخرى عنوانها البديل للقوى السياسية المذهبيّة).

وغير ذلك أيضاً تكون "القوى البديلة" (أو بعضها) تفكر كمرشحين وليس كمواطنين ومناضلين، كالسياسيين وليس كسياسيين. وفي المناسبة، لا بد من التذكير إيجاباً بمواقف الحزب الشيوعي وبدنا نحاسب وبرلمان لكل البلد ومواطنون ومواطنات وآخرين، الذين خاضوا معركة القانون ويصرّون عليها، بمعزل عما يطرحونه على مستوى القانون.

وبغير ذلك أيضاً، لن يكون النزوح المبكر إلى الترشّح إيجابيّاً (مع افتراض أنّه إيجابي من ناحية الاستعداد)، بل يكون قهقرة وتراجعاً أمام إقصائيّة القوى السياسيّة، وتطبيعاً مع ثقافة الطبقة السياسيّة. وسيكون الأداء في الترشح والاقتراع هامشيّاً مشتتاً خجولاً مثل الأداء في معركة القانون. وعندئذٍ لن يبني المدنيّون الديمقراطيّون على المشاركة في الانتخابات، بل يكونون مجرّد حاضرين في زوايا هامشية في عرس قوى السلطة التي تجدد صيغة حكمها وسيطرتها على النظام والدولة والمجتمع.

الأمر متاح، أكيد، يحتاج إلى مسؤوليّة وحوار وجهوزية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024