ندوة "المدن"(2): الكتائب والشيوعي و"لادي".. لانتخابات بمستوى الانتفاضة

وليد حسين

الإثنين 2020/02/17

في خضم الانتفاضة الشعبية التي يعيشها لبنان منذ قرابة أربعة أشهر، وبروز مطلب الانتخابات النيابية المبكرة، مطلباً للمنتفضين، تطل "المدن" على هذا الموضوع ، فتستطلع رأي حزبين عريقين في تاريخ لبنان (الكتائب اللبنانية، والحزب الشيوعي اللبناني) يمتلكان رؤيتين مختلفتين لقانون الانتخابات، وللسياسة والاقتصاد، ويشاركان بفاعلية في انتفاضة تشرين، وطالبا بانتخابات مبكرة.

شارك في هذه الندوة التي أجرتها "المدن": شارل سابا نائب أمين عام حزب الكتائب اللبنانية، وعمر الديب عضو المكتب السياسي ومسؤول العلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي اللبناني، وعمار عبود الخبير الانتخابي وعضو الهيئة الإدارية في الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات "لادي". 
هنا الجزء الثاني والأخير من الندوة:

أحزاب غير ديموقراطية
لقد طرح حزب الكتائب قانون الدائرة الفردية وتقسيم لبنان إلى دوائر بعدد المقاعد، أي على نقيض تام لطرح الشيوعي، فكيف التوفيق مع مطالب الشارع؟

شارل سابا: هناك مدرستان في الأنظمة الانتخابية عالمياً. النسبية بدوائر كبرى، أو الأكثري بدوائر فردية. حالة لبنان السابقة في الدوائر الكبرى والنظام الأكثري هجينة. أخترنا الثاني لتحسين التمثيل ومشروعية النائب. فاقتراحنا دائرة فردية على جولتين تؤدي إلى تأهل مرشحين لهما مشروعية شعبية للجولة الثانية التي يفوز فيها الأكثر تمثيلاً. مشكلة النسبية في لبنان كما رأينا في الانتخابات السابقة، أن الصوت التفضيلي أدى إلى فوز نائب لم يحصل على أكثر من 77 صوتا مثلما حصل في زحلة. أما إذا ألغينا الصوت التفضيلي لصالح الترتيب المسبق للمرشحين على اللوائح، كما يطرح البعض، فندخل في مشكلة مشروعية المرشحين. من سيرتب المرشحين بشكل مسبق على اللوائح؟ أليس الأحزاب؟ إذاً علينا وضع قانون عصري للأحزاب يضمن ديموقراطيتها. من دون ذلك تقرر الأحزاب المرشحين الأوائل على لوائحها ليكون باقي المرشحين ملحقين أو من ركّاب "البوسطة". وهل تجري الأحزاب انتخابات تمهيدية في داخلها لاختيار المرشحين وكيفية ترتيبهم على اللائحة، أم ثمة زعيم يعينهم ويضعهم كما يحلو له؟

عمار عبود: نحن في هذه المسألة نختلف عن الشيوعي الذي يريد إلغاء القيد الطائفي للمقاعد، وعن رأي الكتائب في النسبية. وعندما اقترحنا النظام الانتخابي النسبي على أساس الدوائر الكبرى، ومن دون الصوت التفضيلي ومن دون إلغاء القيد الطائفي، لم يكن الأمر عبثياً. ففي العراق مثلاً وضعوا قانون انتخاب نسبي خارج القيد الطائفي، لكنه أدى إلى تعزيز الطائفية ولم يلغها. فالقيد الطائفي ليس محصوراً بالمقاعد والمرشحين، بل يشمل الناخبين. إذا نزعت القيد فأنت تنزعه عن المقعد وليس عن الناخبين. وشهدنا في العراق أحزاباً شكلت لائحة من طائفة واحدة بينما الدوائر كانت متنوعة طائفياً على مستوى الناخبين.

عمار عبود: يكون الحزب السياسي أمام خيارين في حال الإبقاء على القيد الطائفي: البحث عن مرشحين من طوائف مختلفة، أو البحث عن تحالفات مع طائفة أخرى. الإبقاء على القيد الطائفي يلزم الحزب البحث عن مرشحين أو حلفاء من طوائف متباينة. وفي حال إلغاء القيد الطائفي قد نشهد لوائح من لون واحد يقصي الأقليات، كما حصل مع المسلمين التركمان في العراق، الذين راحوا ضحية اللوائح الشيعية العرب والسنة العرب واللائحة الكردية. إلغاء القيد له مفعول عكسي. الإبقاء على القيد يدفع حزباً مثل الكتائب إلى البحث عن حلفاء ومرشحين من طوائف أخرى. فأي نظام انتخابي يلغي حاجة الأحزاب إلى حلفاء من مختلف الطوائف يجعلها تنغلق على نفسها. اليوم أعتقد أن المشاركين في الانتفاضة قادرين على التأقلم في ما بينهم وتخطي الحدود الطائفية.

واعتقد أن إدخال إصلاح مثل خفض سن الاقتراع وإقرار الكوتا النسائية كفيلين بإحداث التغيير. فعلى سبيل المثال، حزب الله كان يرفض إقرار الكوتا النسائية وفرض على بقية المفاوضين على القانون الانتخابي قبل إقراره هذا الرفض. ومعظم الأحزاب التقليدية تجد صعوبة في اختيار نساء مرشحات. معظمهم لم يستطع حتى توريث بناته بسبب عقليته الإقطاعية والذكورية، وبعضهم لجأ إلى الصهر. ولن يكون الأمر صعباً على المجموعات الشبابية المنتفضة، بل العكس، قد نجد مرشحات أكثر بكثير من الذكور. فوجه من وجوه الانتفاضة أنها كانت نسائية.

مشكلة الدوائر
هل الكتائب على استعداد لتقبل القانون النسبي؟

شارل سابا: لقد كان الكتائب في اللجان النيابية التي بحثت في القانون، ولم يصوت ضد النسبية في القانون الحالي. بل صوت الكتائب ضد الكثير من الإجراءات والبنود في القانون، مثل حصر الصوت التفضيلي في الدائرة الصغرى. على سبيل المثال في دائرة الشمال الأولى (البترون والكورة وزغرتا وبشري) حصر الصوت التفضيلي على مستوى قضاء كي ينجح مرشحون محددون. واعترضنا على تقسيم الدوائر وعدد مقاعدها. مثلاً في دائرة بعبدا وصلت عتبة التمثيل إلى 18 في المئة، أي أنها باتت عتبة تصفية باقي المرشحين.

عمار عبود: النظام الانتخابي مبني على أساس حقوق الانسان التي لا يمكن أن تميز بين مسيحي ومسلم وغيرهما. لذا عندما وضعوا النظم الانتخابية ذهبوا لعلماء رياضيات كي تترجم النتائج آراء المواطنين. في النسبية لا نكتفي بترجمة من يحصل على أكثرية الأصوات. هب أن حزبا حصل على 60 في المئة من الأصوات. فمن يترجم الـ40 بالمئة المتبقية؟!

لم ينظر قانون بطرس إلى هذه المسألة. لقد عملت لجنته على قانون يرضي الجميع. حاولت تفصيله على مقاس الأحزاب والطوائف كي يكون مقبولا. بينما كان يفترض بها وضع معايير موحدة على أساسها يوضع القانون، وتترك مهمة رفضه أو قبوله للقوى السياسية، لتقع المسؤولية على عاتقهم وليس على الخبراء. وفي النتيجة رفضت الأحزاب المشروع وذهبت إلى الدوحة وعادت بقانون الستين. واعتبرنا ذلك تراجعاً عن مطلبنا في النسبية والإصلاح المطلوب لتغيير الوضع في لبنان. فالإصلاحات كل لا يتجزأ. عندما نقر النسبية ونفرغها من مضمونها نكون في وضع أسوأ من السابق. وهذا ما حصل مع القانون الحالي. فقد عملوا ببراعة فائقة لتضخيم حجم الرابحين وسحق الخاسرين، الذين حصلوا في بعض الدوائر على نسب لا بأس بها.

الانتخابات والسياسة
انتفاضة 17 تشرين كانت موجهة للمواطنين كي يخرجوا عن ولاءاتهم السابقة التي أوصلتنا إلى الوضع المأسوي الحالي. بمعنى آخر هي دعوة للناس للخروج من السياسة الحالية، ومحاولة اجتراح سبل مغايرة للعمل السياسي. والانتخابات كانت دائما فعل يؤدي إلى النتيجة المأساوية التي نعيشها. فهل الانتخابات فعل سياسي حقيقي وتؤدي إلى حياة سياسية سوية، أما أن الناس ستذهب يوم الاقتراع وتصطف بصفوف مرصوصة ثم تعود إلى البيوت؟ لماذا لا نفكر بالسياسة خارج الانتخابات؟

عمار عبود: الانتخابات فعل سياسي أساسي، خصوصاً أن الأحزاب اللبنانية لا ترغب بها. تفضل عدم إجرائها وتعيين من تريد. حتى الانتخابات البلدية لا ترغب بها. فهي الأهم لأنها تؤدي إلى نزاع داخل الحزب الواحد بسبب الولاءات العائلية والمناطقية. والمثل الأبرز على كره أحزابنا للانتخابات، أنها أجّلت الانتخابات البلدية منذ الستينيات وحتى العام 1998. السلطة تريد الانتخابات موسمية ما يجعل مشاركة الناس يوم الاقتراع فقط. لكن فعل المحاسبة يجب أن يمتد على طوال الفترة النيابية عبر معرفة كيف يعمل النواب وعلى ماذا صوتت الناس. زد على ذلك أن حراك الشارع وتفاعل الناس يجب أن يترجم في السياسة. والانتخابات إحدى الطرق.

شارل سابا: ثمة مسارين للتغيير: الإقدام على عمل ثوري والإطاحة بالنظام، أو الذهاب إلى الأطر الديموقراطية والسلمية في التغيير. وهذا ما يقوم به الشارع. نحن نرى أن هناك تغييراً كبير في الساحات علينا العمل لتعميم هذه الحالة في المناطق كلها، وحيث نتمكن لتغيير الأنماط والعلاقات البدائية والزبائنية السائدة. وهذا فعل تغييري. لكن من ناحية ثانية علينا أن نربط هذه التغييرات وترجمتها داخل الأطر النقابية والمهنية وفي الانتخابات كعمل سياسي.

عمر الديب: هدف كل حزب هو العمل لتغيير الوضع عبر التفاعل مع الناس والاستفادة من الانتخابات لتمكينهم من إحداث التغيير. نعتقد أن المرحلة التي نعيشها حاليا من أسرع المراحل التي يعيشها لبنان على مستوى التغيير. حزبنا يعيش حالة من الانفتاح على الأفراد وعلى المجموعات الجديدة للتفاعل مع الجميع عبر العمل اليومي على الأرض. نعيش حالة خلق مساحات جديدة في العمل السياسي غير مسبوقة. بالتالي علينا ترجمة هذه الحالة في النقابات والأطر المهنية وفي الانتخابات.

اتجاهات سياسية
نشهد في لبنان أطر جديدة للعمل السياسي لم تكن موجودة أو كانت السلطة تصادرها. هناك أطر نقابية بدأت تنشأ بين الصحافيين والمهندسين والأساتذة والمحامين. وبرزت وجوه جديدة شبابية باتت تحظى بثقة الناس. هل يمكن ترجمة التغيير الحاصل في الانتخابات المبكرة على مستوى بناء التحالفات وتشكيل لوائح في مواجهة القوى المناهضة للثورة؟ وهل أطر التنسيق الحالية لتنظيم الاحتجاجات والتظاهرات تترجم في التحالفات الانتخابية؟ أم أن الاختلاف في وجهات النظر السياسية حول السيادة والمقاومة وسلاح حزب الله وغيرها ستكون عائقاً؟

عمر الديب: لم يبحث الشيوعي الخيارات في الانتخابات بعد. ما زال يعتبر أن المرحلة الحالية هي لخوض الصراع على القانون الانتخابي، قبل البحث في التحالفات وكيف ومع من سيخوض الانتخابات. لكننا نعمل على تشكيل أوسع إطار جامع وممكن مع القوى المعارضة، سواء كانت حزبية أو نقابية أو مجموعات أو أفراد ناشطين. الشرط هو الاتفاق على برنامج مشترك بين الجميع. بالنسبة للشيوعي ليس المقصود تشكيل حالة يسارية حصراً، بل التعاون مع القوى الديموقراطية والعلمانية والتي تريد إحداث تغيير في لبنان. نجاح هذه الحالة في خوض الصراع مع السلطة، على أساس البرنامج المشترك، يجعل التحالف في الانتخابات من تحصيل الحاصل. العمل المشترك يمنع أن تكون الانتخابات مجرد تركيب لوائح. لم نبحث مع الكتائب تشكيل جبهة سياسية، ولا نفرض على الآخرين إيديولوجيتنا. لكن هناك حد أدنى للعمل المشترك، مثل الاتفاق على تغيير السياسات الاقتصادية المتبعة في لبنان، ووضع سياسات مبنية على أساس إعادة توزيع الثروة وتدفيع من راكم الثروات على مدى ثلاثين عاما ثمن الأزمة، ووضع سلم للضرائب التصاعدية والاتفاق على التغيير السياسي، مثل وضع قانون انتخابي جديد وتعديل قانون الأحوال الشخصية والاصلاحات السياسية المختلفة.

شارل سابا: يختلف حزب الكتائب في توجهاته السياسية عن بعض القوى السياسية المشاركة في الانتفاضة حول رؤيته للسيادة الوطنية وسلاح حزب الله ودوره الإقليمي، وفي اعتناق الليبرالية الاقتصادية. لكن الكتائب، مثل الشيوعي، يعمل على توسيع مروحة اللقاء مع كل الحالات المعترضة على السلطة في الشارع. وهذا لا يؤدي بالضرورة إلى تشكيل جبهة سياسية موحدة للجميع. حزب الكتائب يعتبر نفسه حزباً يسارياً أو حزباً ديموقراطياً اجتماعياً في المسألة الاقتصادية الاجتماعية. وهو يشبه يسار الوسط في أوروبا. ويتشارك مع الشيوعي في بعض الرؤى للوضع الاقتصادي الحالي. والتلاقي مع الشيوعيين رهن بتوسيع مروحة المشتركات بيننا. لدينا إصرار للتواصل ولتشكيل مروحة واسعة للضغط على السلطة، سواء من داخل المجلس النيابي أو في الشارع.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024