نصرالله أو الضياع: إعلام الجهاد الشمولي ضد وباء كورونا

محمد أبي سمرا

السبت 2020/07/25
لا ريب في أن الطابع الشمولي للإعلام وطاعته - ومصدره الأقرب المثال السوفياتي الراحل - يشكلان ركناً أساسياً في سياسات حزب الله. فكما كان الأمين العام المهيب للحزب الشيوعي السوفياتي الشمولي، الآمر الناهي في تصدره القدسية الدنيوية للسلطة السوفياتية وإعلامها، لا شك في أن الأمين العام لحزب الله في لبنان، السيد حسن نصرالله، يحتل بقدسيته وسلطانه الشمولي مركز القرار والسلطات الدنيوية والدينية كافة، ومنها الإعلامية، في حزبه.

نصرالله أو الضياع
وقد تكون فاعلية السيد نصرالله الإعلامية والتبليغية، في زمن سيطرة التواصل الآني والمباشر، صوتاً وصورة وكتابةً، تتفوق بأشواط كثيرة فاعلية أمين عام الحزب السوفياتي، الذي كان اختفاؤه خلف الستار الحديدي وظهوره الجماهيري النادر، يلازمان سلطانه الشمولي الكبير.

لكن حزب الله، على خلاف ذلك، يعتمد سياسةً إعلامية محورها الدائم والأقوى والأفعل والأقدس، هو السيد نصرالله شخصياً، صوراً وصوتاً وأقوالاً وخطباً وإطلالات تلفزيونية مبرمجة. فهو من يبلِّغ الجمهورالشيعي العريض ويملي عليه دائماً وأبداً، المواقف السياسية والحياتية، وماذا عليه أن يفعل ويتصرف في شؤون دينه ودنياه، أقله مرتين أو ثلاث في الشهر الواحد. وذلك في أطلالات تلفزيونية مطولة، تستمر أحياناً أكثر من ساعتين. وفي غياب هذه الإطلالات الدائمة أو تأخرها، يشعر جمهور حزب الله العريض بالضياع، وأقله بالحيرة.

كلمة من خارج القاموس
ومن آخر الأدلة على قوة السيد نصرالله الإعلامية والأمرية في كل شاردة وواردة من شؤون دنيا حزبه وجمهوره وشجونهما، شريط الفيديو الذي صُوِّر فيه يسطِّر بخط يده بلاغاً أو فتوى ممهورةً بتوقيعه، ومعلناً بصوته، عن كيفية "النصر" على وباء كورونا وتفشيه المتفاقم في لبنان، وخصوصاً في مناطق سيطرة حزب الله ودياره.

وكي يقرن القول بالفعل، مثبتاً لمشاهديه ومستمعيه أنه هو الأمين العام وولي الأمر والنهي والسطان والقدوة، لم يتوانَ عن التحدث إليهم ومن وراء كمّامة تحجب فمه ونصف وجهه الأسفل تقريباً، للمرة الأولى من ظهوراته المتلفزة، فيما هو يقول لهم: "بالصبر والمقاومة والتحمّل والثقة بالله والتوكل على الله والدعاء والتوسل والعمل والإجراءات واتّباع العقل والعلم والضوابط، ننتصر في هذه المعركة".

أما الرسالة أو الفتوى التي يصوّرُ وهو يدونها وتظهر صورتها وكلماتها في شريط الفيديو، فجاء فيها: "يجب أن ننتصر في الحرب على كورونا. الناس قادرون على ذلك. فقط يجب الالتزام بالإجراءات، وهو أمر سهل عليهم. إذا التزمنا بتغيير بعض العادات وتشدّدنا في الإجراءات، قطعاً سننتصر. أما إذا أهملنا فسيكون مجتمعنا أمام كارثة كبرى على كل صعيد لا سمح الله".

تحتل مركز الثقل في رسالة نصرالله المزدوجة، قولاً وكتابة، كلماته إياها التي لا تغيب قط عن خطبه كلها: المقاومة، النصر، الحرب، الله ، الصبر، التوكل، الإلتزام، والدعاء، العقل، والعلم (وقد يكون العلم هو ذاك الديني والفقهي والإيماني). وهذه كلها وأمثالها ركيزة خطاب حزب الله السياسي والديني والعسكري والجهادي. وبما أن الفيديو غايته الاتقاء من وباء كورونا، كان لا بد من إضافة كلمة واحدة، تقنية شائعة، ومتعلقة بموضوع الفيديو: الإجراءات، والتشدد فيها.

وأذا استعدنا عبارة "الجهاد الزراعي" التي أطلقها السيد نصرالله علاجاً وخلاصاً للبنان من انهياره الاقتصادي الراهن، لتبين أنه من الأنسب للأمين العام القول: "جهاد الإجراءات لمقاومة وباء كورونا والانتصار عليه". وهذا انسجاماً مع مصطلحه اللغوي الغزير الذي يستخدمه ويردده في كل شاردة وواردة من شؤون الحياة الدنيا للفوز بالحياة الآخرة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024