"تانغو" الحريري-باسيل: الرقصة البشعة

يوسف بزي

الأربعاء 2021/01/13

في مطلع 2006، كان باسيل يتنقل ما بين شقة في بدارو، حيث يلتقي أركان "14 آذار"، وشقة في حارة الحريك، حيث يلتقي ممثلي "حزب الله". ما بين الشقتين كيلومترات قليلة. لكن في السياسة، كانت المسافة الفاصلة كبعد القطب الشمالي عن الجنوبي. وكان باسيل يتنقل بخفة فائقة بينهما، فيفرض الشروط هنا ويتلقى العروض هناك. وكان الهمّ الوحيد هو "إتمام الصفقة": من الذي يضمن حقاً وصول ميشال عون إلى سدة الرئاسة. وربما أيضاً "ولاية العهد". عدا ذلك، هراء بهراء. خصوصاً ما يلوكه باسيل عن "حقوق المسيحيين".

والحق يقال، أن 15 عاماً على بروز باسيل تشهد كلها "مهارة" استثنائية في تدبير الصفقات الناجحة أو "الرابحة" من هذا الطراز.

الأمر نفسه كرره باسيل بعد عشر سنوات، بين صيف 2016 وخريفه، ترتيباً لما سيسمى "التسوية"، أي انتخاب ميشال عون أخيراً، وبأصوات خصومه المفترضين.

وفي كل مرة، وبعد انقسامات وحملات ومعارك سياسية شرسة، كان الأمر ينتهي بصفقة يكون ركنها الأول باسيل، غالباً ما تكون وبالاً على الحياة السياسية والاقتصادية، وهدماً إضافياً لبنيان النظام البرلماني، وللديموقراطية "العرجاء"، وللدستور المعتلّ، وتعميقاً لضعف الدولة ومؤسساتها. بل وفي كل مرة، كانت السمة الأساسية لأي تسوية هي اضطرار خصوم باسيل لخيانة خطابهم السياسي أولاً وماء وجههم ثانياً. فباسيل منذ "تفاهم مار مخايل" حاز قوة تتيح له تعطيل البلاد والحكومة والبرلمان والانتخابات النيابية والرئاسية قدر ما يشاء.. إلى أن يخرّ الخصوم خاضعين صاغرين.
وهذا الرجل كان يستمتع إلى حد النشوة والثمالة بهذه الانتصارات، المفعمة بشهوة السلطة والنفوذ، خصوصاً مع "خصمه" التقليدي: سعد الحريري. فمعه، يحلو الرقص. أما جنبلاط أو جعجع أو حتى برّي وفرنجية فهؤلاء مشروع سيوف وخناجر وطعنات. فقط مع الحريري يحلو "الدويتو"، التانغو الذي لا يخلو من عنف تعبيري ورغبات الإخضاع وشهوات السيطرة.

ليس سراً أن ما يحرك باسيل (وميشال عون قبله) هو الضغينة العميقة التي يكنّها للذين أفقدوا "المارونية السياسية" هيمنتها على الجمهورية وامتيازاتها الهائلة. وهنا، يجب أن نميّز بين كره اليساريين والفلسطينيين والسوريين والنفور من حركات وتيارات قومية وعروبية وإسلامية، بوصفهم المسؤولين عن الحرب والتهجير.. وبين الحقد الخاص تجاه مشروع رفيق الحريري واتفاق الطائف، بوصفهما (المشروع والاتفاق) برهان على إمكانية "جمهورية لبنانية" من دون الحاجة لغلبة "المارونية السياسية" ومن دون هيمنة "يمين طائفي". هذا بالضبط موضع الضغينة. وهذا بالضبط ما يجعل العونية شديدة العداء لـ"القوات اللبنانية". أي لأنها قبلت بالطائف، لا لأنها كانت ميليشيات ولا لأنها أقل حرصاً على حضور قداديس الأحد.

في كل مرة يختلف الثنائي عون-باسيل مع سعد الحريري، كان البلد يدفع ثمناً كبيراً. لكن الأسوأ والثمن الأبهظ يكون حين يتفقوا. أي حين تتم الصفقة. وهي الكلمة الأدق والأصح. فلا هي "تفاهم" ولا "تسوية" بل "صفقة" على معناها المبتذل والتجاري والشبهة اللاقانونية.

في خلافهم، على الأقل شيء من السياسة والكثير من الكذب. وفي اتفاقهم احتقار تام للسياسة ولعقولنا.. ولمصائرنا.

في خلافهم، يبدو حزب الله أضعف قليلاً، طالما أن الحريري يُظهر نزعة تمردية مكبوتة. وفي اتفاقهم قوة إضافية له، إذ يكون الحريري مستسلماً منقاداً خاشعاً.

بالنسبة لنا، في خلافهم نتلقف ونكسب ما لا يحصى من حقائق مشينة يكشفها تفضيحهم لبعضهم البعض. وفي اتفاقهم تسري الصفقات المخزية في الخفاء، مصانة بسريتهم وتواطئهم.

وبالنسبة لنا، لا حكومة بالمرة أفضل بأشواط من حكومات الحريري- باسيل التي دمرت كل ما تبقى من الجمهوريتين الأولى والثانية، ومدت البساط ليتمطى حزب الله على خرائب البلد.

وبهذا المعنى ليست مصلحة اللبنانيين لا في هذه الرقصة السخيفة، ولا في كل هذا المسرح العبثي.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024